استطاعت إدارة مهرجان جرش أن تعبر حقل الألغام بنجاح، فكان المهرجان.
تلك عبارة سمعتها "بذات المحتوى تقريبا" من أكثر من مسؤول، وأتفق معها لكنني أتساءل: لماذا يضطر مهرجان مثل جرش في دولة مثل الأردن أن يكون أمامه حقول ألغام أساسا؟
الأصل، والطبيعي أن تكون هناك حالة تطبيع مع المهرجان، أن يكون هناك ألف علامة سؤال في حال غيابه وقد تجذر كحالة وجدانية منذ الثمانينيات في الأردن والعالم. إشارته الموسيقية إحدى علامات الصيف الأردني وقد اعتدناها عاما بعد عام، المساس بتلك الإشارة الموسيقية يفترض أن يثير الجدل، فكيف لو غاب المهرجان نفسه؟ وقد حصل ذلك قبل أعوام مرتين، وفي الحالتين كان هناك جدل. وغابت مسببات الغياب "غير المنطقي" وبقي المهرجان.
هذه المرة كان الجدل مجحفا ومزاودا، ولا أرى مبالغة في من قالوا إن استهداف المهرجان بإلغائه هذا العام كان فيه استهداف للدولة نفسها.
لماذا ترتبك "بعض" الدولة من جدل متوقع جزء كبير منه صار اعتياديا تثيره جماعة معروفة صار من أدبياتها بتر الفرح وتشويه العادي في الحياة منذ أول نسخة من المهرجان؟
لا أخفي أني كنت من المطلعين على تفاصيل التحضيرات "المعدلة" للمهرجان هذا العام، وأبديت تحفظات كثيرة على ما رأيته "انسحابات" نحو الخلف، لكن إدارة المهرجان التي تحمل عبء المسؤولية كانت تفكر بكل الاتجاهات وهذا طبيعي، وأيضا كانت تعكس ارتباكات "بعض" الدولة التي لم تنسجم كصوت واحد وحاسم في أي قرار يتعلق بجرش ومهرجانها السنوي.
نجح المهرجان في حضوره هذا العام، وبصيغة عكست إلى حد كبير الشعور العام في الأردن، ولم يخذل المهرجان المجتمع المحلي المحيط به في موسم "اقتصادي" يعتاش منه هذا المجتمع ويعتمد عليه كثيرا، وتأثر المهرجان بالركود السياحي عموما في الأردن والمنطقة بسبب الأحداث، لكنه اخترق الركود نسبيا وتموضع بحضوره كعامل جذب إلى حد كبير.
فعاليات المهرجان كانت ثقافية تنافس الفني والترفيهي منه، وهذا تقدم مذهل في مهرجان حمل منذ انطلاقته اسم "الثقافة والفنون"، وقد جنحت فعالياته في سنوات ماضية إلى "الفنون" والترفيه على حساب الثقافة كثيرا، وكان ذلك عنوان جدل صحي يدافع عن البعد الثقافي فيه، فاستعادت الثقافة حضورها ومتماهية مع الأجواء العامة في العموم.
التقصير كان إعلاميا، وأعني هنا أن الإعلام لم يحمل المهرجان وفعالياته خارج حدود الخبر العادي، لم تكن هناك تغطيات واسعة من قبل الإعلام لفعاليات المهرجان، لندواته وأمسياته الموزعة بين جرش وباقي المحافظات.
لقد قدم المهرجان أقصى ما يستطيع من جهد ليعبّر عن وجوده، لكن السؤال الذي يبقى معلقا:
لماذا الألغام؟ ومن زرعها ومتى وكيف طوال هذا الوقت؟
الغد