صناعة النواب سؤال صعب لكنه على كل لسان ويتفرع منه اسئلة اخرى اهمها:- هل هي الصناديق كما تقول الهيئة المستقلة؟ ام المال الاسود كما يقول الشارع؟ ام انها التحالفات العشائرية وتوفر قدر كاف من العصبية القبلية او الجهوية والطائفية؟ وهل يمكن ان تكون التسهيلات والدعم ورضا المؤسسات الرقابية والامنية كما يقول المرشحين انفسهم؟ ام هو الدعم الخارجي ووجود أصدقاء ميسورين كما تقول الصالونات السياسية وبعض من يقرأون الخط الممحي؟ ربما يكون احد هذه العوامل او مزيج منها مضاف الى حملة قادرة على الاستقطاب وخلق الانطباع والتأثير.
باستعراض الأسماء لمن انسوا في نفسهم الكفاءة للترشح لعضوية المجلس النيابي العشرين يصعب ان تجد خصائص مشتركة كالتي تجدها لدى المرشحين للمجالس نيابية أوروبية او عربية ولا حتى خليجية.
في العالم يطرح الشخص نفسة او يطرحه الحزب او العشيرة او المجتمع المحلي بعدما يكون قد عمل في مجتمعه او مؤسسته او حزبه او البلدة التي عاش فيها واسس لسجل غني من الخدمة العامة يعرفه الناس بسببه ويتفقوا على انه يملك الحد الأدنى من الكفاءة التي تؤهله للتنافس.
في المجتمعات العربية التقليدية يتقدم لمجالس التشريع والشورى اشخاص بصفتهم زعامات قبلية او رجال اعمال او اهل فكر واختصاص يمكن ان يسهموا بخبراتهم ورأيهم ووزنهم القبلي او المهني في اعطاء مصداقية لعمل المجلس وتعزيز الثقة فيه.
في بلادنا ومع وجود بعض الاستثناءات الا انك تشعر بان الكثير ممن يترشحوا يأتون من غائب علمه فتبحث جاهدا عن سجل عمل لبعضهم فلا تجده وتبحث عن الكريزما المفقودة وتتسائل من الذي اقنع هؤلاء بانهم قادرين على تولي المسؤولية ومن الذي أوحى لهم او شجعهم على التجروء لطرح اسماءهم لادوار لا يمكن ان يقوم بها بصدق وأمانه الا من ملك المعرفة والخبرة والنزاهة والقدرة على التعبير والشجاعة في طرح الفكر والاستعداد للنضال في سبيل تمرير ما يؤمن به وينفع المجتمع...
في شوارع عمان والمدن الاردنية يدهشك حجم الصور لأشخاص يصعب ان تجد رابطة بين اي منها ودور اجتماعي او فكري او موقف سياسي معتبر . يتملك الاحساس بأنك في مسرح مفتوح للصور او مسابقة جمال ووسامة....وليس في سباق بين أشخاص واحزاب تقدم تصوراتها لمستقبل هذه الامة.
حتى اليوم بدى واضحا ان مجتمعنا يحبو وان جميع شؤون حياتنا بحاجة الى تعريف فنحن لا نعرف الإنسان الذي نريد ولا النائب الذي نريد ولا حتى الى اين نحن ذاهبون ...
على طول البلاد وعرضها يتنافس اكثر ١٥٠٠ مرشح على ١٣٨ مقعده نيابيا وهناك قرابة ١١ مرشح لكل كرسي نيابي شاغر فبالنسبة للدولة يهمها ان تقول ان المشاركة أوسع وبالنسبة للمرشحين فإنهم يواجهون مجتمعا غير منظم ويستطيع كل واحد من المرشحين ان يدعي ما يشاء فلا صحافة تحقيقية ولا مناضرات ولا وجود لمؤسسة تعنى بتدقيق او تحليل او مقارنة ما يقوله المرشحون او تلاحزاب عن انفسهم.
باستثناء الافراد والمجموعات التي تقول انها ترشحت لتفوز او تعرف حصتها من المقاعد سلفا يتسابق الشباب الذين قفزوا على مراكب الترشح ليحققوا قفزات واسعة على السلالم الاجتماعية والسياسية او ليعمدوا انفسهم كمرشحين سابقين للبرلمان في حالة اخفاقهم.
غالبية الاسماء التي بتداولها الناس كاحصنة رهان أشخاص لا يملكون امتداد شعبي ولا يوجد لهم تماس مع القضايا التي تشغل الناس وبعضهم قال سابقا ويردد انتقاده لأي خطاب فيه انحياز للمطالب الشعبية على اعتبار انه خطاب شعبوي.
هذه الروح وهذه اللغة تناقض كل ما تقوم عليه فكرة الانتخابات والصناديق فالاصل ان لا ينجح الا من يتناول القضايا التي تهم الناس الا اذا كان الهدف الوقوف في وجه أحلامهم وطموحاتهم..
الانتخابات الوطنية هي التي تجري على أجندة الوطن ويتصدرها الهم الوطني والقوي وليس رغبات القوى الممولة والداعمة التي قد لا تريد خيرا لنا ولا يهمها المستقبل..
الانتخابات القادمة خطيرة فكثير من الأسماء جديدة بلا سجل عمل وبدون خبرة ودراية بالواقع الاردني ولا تحمل تصورات لحلول مشكلاته....
في زياراتي لبعض المحافظات بدى ان اصحاب الثروة قد عربنوا على ما قد يكفي من الأصوات لنجاحهم ففي المحافظات البعيدة حيث انياب الفقر ووحش البطالة لبس بعض المرشحين اثواب المخلصين وضخوا اموالا للتعامل مع حاجات الناس وضغوط حياتهم اليومية فاشتروا أراضيهم المعروضة للبيع ودفعوا فواتير المياه والكهرباء المتأخرة ووعدوا بالمزيد كل ذلك من اجل ان يصلوا الى القبة ويوفروا الحماية لشركاتهم واستثماراتهم وعطاءاتهم.
اشك ان مؤسسات الرقابة لا تعرف ذلك فقناعتي انها ترصد كل شيء لكن الاليات المتوفرة للضبط والتعامل مع مثل هذه الحالات ضعيفة او غير متوفرة او انها غير مستعدة للدخول فيما يعتبره البعض تفاعل بيني ينسحب عليه مفهوم الجرائم التي لا ضحايا مباشرين لها victimless crime.
استمرار عمل اجهزة الدولة بطريقة إبراء الذمة خطر على الانتخابات ومستقبلها وعلى المجتمع وقيمه وتوجهاته. قبل ايام ظهر رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات ليقول بأننا جاهزون للتعامل مع أي قضية مال سياسي لكنه استدرك بأننا لسنا جهة تحقيقية وما يعنينا هو ما يتم خلال العملية ولا علاقة لنا بما يجري بين الناس او خارج الإجراءات.
نحن لا نسأل عن ما يمكن ان تقوم به جهة بعينها بل نسأل عن ما يمكن ان تقوم به الدولة بكافة أجهزتها وقواها القادرة على رصد وفهم وتحليل وملاحقة اي حركة ان أرادت.