في فلسفة الموت ، لا يصدق رهان ، فالبشر يرحلون سريعا اذا ماقررت الأرض أن تلتهمهم في جوفها، فتكون أنت المشاهد المتوجس ، الذي يكبت عدوانيته للرحيل ، ويطلق عنان روحه في أزمنة الخيبة !..
ماذا لو عاد الشهداء فجرا، تساؤل تراجيدي يلح في خلجات روحي، لو بالامكان ان يروا مهزلة الانسانية وهراء الكلمة وفتور الفكرة وحشرجة المبادىء ، أيمكن للشهداء " قامات التضحية " كل على حد سواء ، من ضحوا من أجلنا ، من أجل بلور الكرامة العربية المنصهر ، وشرف الحياة بلا راية بيضاء ، ان يشاهدوا موقفنا الحيادي الضرير ، أمام شجاعتهم وعنادهم ، إننا أللاشيء المبصر والذي أصابنا عمى الألوان أمام أنهار الدم الأحمر في غزة الشرف ، غزة التي تعرفنا واحدا واحدا ، بعرينا القبيح ، بوسائد أسرتنا العربية ، بمبتغانا السخيف وعناويننا الكاذبة ، بأزقتنا الشاهدة على ترف الليل وترنح الأجساد وأدخنة السيجارة في خلسة الوحدة والشجن .
ماذا لو عاد الشهداء فجرا ، لوجدوا مكامن تضحياتهم من أجلنا تضج بالنسيان ، وكما قالها محمود درويش " تنسى كأنك لم تكن " وهم لم يكونوا في مسرحنا المبتور من الستارة ، حيث توجسنا المصطنع ، ودموع التماسيح التي تسكن حدقة المواطن العربي كلما هم بالتأثر على جثة بلا رأس أو رضيع يبكي اسفل الردم !
إن عودة الشهداء فكرة مرعبة ، والرعب أن يعودا مستبشرين بنا ، مضحك هذا ، من نحن ؟ وكيف لنا الجرأة ممارسة التبرير حينما تحملوا هم وزر الخطيئة ، خطيئة صمتنا وعجزنا وضعفنا المقرف ، وإيماننا الضئيل ورؤوسنا الفارغة ، عودتهم بمثابة صك فضيحة بتوقيعنا وبصمتنا ، من شرقنا إلى غربنا فقد يغفرون لليمن والجنوب اللبناني الصامد لكنهم لن ولم يغفروا لما تبقى من خريطتنا العربية وعواصمنا المتبجحة وعهر الخطابات وجنون الصمت الذي وحده وبكل جدارة وحدنا ، وحدتنا كانت بصمتنا ، تفردنا بالصمت حينما كان الصراخ أسمى في قضيتنا .