عندما يُطرح سؤال حول ما إذا كانت الأرقام التي أوردها الوزير مهنَّد المبيضين بشأن استحداث فرص العمل خلال العامين الماضيين تعكس واقعاً اقتصادياً إيجابياً.. أم أنها مجرد أداة للاستهلاك الإعلامي؟!..
نجد أنفسنا أمام معادلة غير متكافئة بين طرفين.. الإيجابي والسلبي.. فالأرقام بحد ذاتها لا تعكس الحقيقة كاملة، بل هي جزء من مشهد أكثر تعقيداً وتشوهاً مما قد يبدو.
الأرقام التي قدمها الوزير تُظهر استحداث 95342 فرصة عمل في عام 2023 و89500 فرصة في عام 2022.. وهي أرقام تبدو واعدة.. مقارنة بمعدل 35000 فرصة عمل سنوياً خلال الفترة من 2010 إلى 2019.. لكن لنتوقف لحظة وننظر إلى الصورة الأكبر.. هل تراجعت معدلات البطالة بشكل يتناسب مع هذه الأرقام؟!..
الحقيقة تقول عكس ذلك.. ففي الربع الأول من عام 2022.. بلغت نسبة البطالة 23.9%.. ورغم حدوث تراجع طفيف لاحقاً.. إلا أنه لم يكن بالقدر الذي يبرر هذه الأرقام الكبيرة.. وما يفاقم من هذه الصورة.. هو أن نسبة البطالة بين الشباب الجامعي قد بلغت 25%.. مما يضع تساؤلاً حول نوعية هذه الوظائف.. وهل هي حقيقية ومستدامة.. أم أنها مجرد وظائف مؤقتة لا تسهم فعلياً في تقليص معدلات البطالة؟!..
وعندما نلتفت إلى حالة المنشآت الاقتصادية.. نكتشف أن عدداً كبيراً من الشركات الصغيرة والمتوسطة قد أغلقت أبوابها بين عامي 2020 و2022.. مع تقديرات بأن مئات الشركات أغلقت نهائياً نتيجة للأوضاع الاقتصادية الصعبة.. هذا الانكماش في القطاع الخاص يعيدنا إلى نقطة البداية.. كيف يمكن لهذه الأرقام الإيجابية أن تتعايش مع واقع اقتصادي ينزف؟!..
الأمر الأكثر إلحاحاً في هذا السياق.. هو تحليل الأرقام بعمق أكبر.. فإذا قمنا بحساب نسبة الوظائف المستحدثة.. مقارنة بمعدل النمو السكاني.. وعدد طلبة التوجيهي.. فقد نجد أن الأثر الحقيقي لهذه الفرص على الاقتصاد محدود.. وهنا تبرز فكرة البطالة المقنعة التي تتجلى بوضوح في القطاع العام والبلديات.. حيث تُخلق وظائف ليست حقيقية.. بقدر ما هي وسيلة للتنمية الاجتماعية.. وليس للنمو الاقتصادي الفعلي..
وما يزيد من تعقيد المشهد.. هو تكلفة خلق الوظائف.. فبينما تشير التقديرات.. إلى أن تكلفة خلق الوظيفة الواحدة تقارب 15000 دولار.. نجد أن الكلفة ترتفع بشكل هائل في بعض القطاعات.. حيث تصل في فندق كبير في عمان.. إلى مليون دينار.. بينما تقترب من 1000 دينار في حالة المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر.. هذا التباين في التكلفة.. يعكس بوضوح التحديات التي تواجهها الحكومة في تحديد أولوياتها.. وأين ينبغي أن تركز جهودها لتصحيح الخلل.. وتوجيه الاستثمارات نحو القطاعات الأكثر إنتاجية وكفاءة..
إن ما نحتاجه اليوم.. ليس مجرد أرقام على السطح.. بل صورة شاملة.. تشمل الإيجابيات والسلبيات.. وتعكس الواقع كما هو.. ..
المطلوب من الوزير والحكومة.. تقديم تحليل كامل للوضع الاقتصادي.. مع توضيح الأسباب الحقيقية وراء معدلات البطالة.. وتداعيات إغلاق المنشآت.. والأثر الفعلي لاستحداث فرص العمل..
بهذه الطريقة.. يمكن أن نصل إلى تقييم موضوعي.. بعيداً عن العواطف والتجميل.. يعكس الحقيقة كاملة.. فليس من العدل أن نحكم على وضع اقتصادي بناءً على طرف واحد من المعادلة.. بينما الطرف الآخر يختفي في الظل.