الاقتصاد الذكي والرشيد .. توظيف الموارد كروافع مُستدامة
أ.د وفاء عوني الخضراء
13-08-2024 11:47 PM
في ظل التحديات التي تواجه الاقتصادات الناشئة، يصبح من الضروري تحقيق توازن دقيق بين النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية، إذ يوفر هذا التوازن عائدا كبيرا في مختلف المجالات ومحفزا مستمرا لقوة الاقتصاد وضمان ديمومته. ولتحقيق هذا الهدف، يجب على هذه الاقتصادات الاستفادة من مواردها المحلية والطبيعية بطرق مبتكرة وريادية محاولةً بناء اقتصادات ذكية جديدة لا تقتصر فقط على تلبية احتياجات السوق، بل تهدف أيضاً إلى خلق مشهد جديد ومتوازي من فرص العمل في الاقتصاد الأخضر والاقتصاد المستدام وتطوير ميزانيات فعّالة من حيث التكلفة للدولة تعتمد على الإنفاق الاقتصادي الرشيد.
الاقتصاد الذكي والرشيد يُعدّ نهجاً مبتكراً لتحويل الموارد المحلية إلى قوى اقتصادية مُستدامة. من خلال استغلال الموارد المتاحة بكفاءة، يمكن تحقيق أقصى استفادة منها، مما يساهم في تعزيز التنمية الاقتصادية المحلية وتحقيق الاستدامة. يعتمد هذا النهج على تبني استراتيجيات مبتكرة تستهدف تحسين الإنتاجية وتقليل الهدر، مع التركيز على تطوير مشاريع تنموية تعزز من القدرة التنافسية وتخلق فرص عمل جديدة. بتحويل الموارد الطبيعية والبشرية إلى أدوات فعّالة للنمو، يسهم الاقتصاد الذكي والرشيد في بناء قاعدة اقتصادية قوية ومستدامة، مما يعزز من قدرة المجتمعات المحلية على مواجهة التحديات الاقتصادية بطرق مرنة وفعّالة.
يمكن للاقتصادات الذكية والرشيدة أن تكون محركاً رئيسياً للتقدم الاقتصادي من خلال استغلال إمكاناتها الفريدة في كل منطقة. يتم ذلك عبر تحسين البنية التحتية، واستثمار في قطاعات حيوية مثل التكنولوجيا والصناعة والزراعة والبيئة، والتركيز على الاقتصاد الأخضر والمجتمعات المحلية، وتعزيز الابتكار وجذب الاستثمارات. النمو السريع يعزز القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، مما يرفع الطلب المحلي ويدفع التنمية الاقتصادية.
ثمة أمثلة كثيرة على الاستثمار الأمثل للموارد المتاحة واستغلالها بكفاءة، أحد تلك الأمثلة البارزة هو تطوير صناعة الصوف في المناطق التي تتمتع بتربية الأغنام، إذ ينتج عن تحويل الصوف مجموعة متنوعة من المنتجات، من الأقمشة إلى العزل الحراري، مما يسهم في خلق فرص عمل محلية وتعزيز الاقتصاد. وتعد دول مثل نيوزيلندا أو المرتفعات الاسكتلندية، مثالا تطبيقيا وحقيقيا على ذلك، طورت من خلالها بنجاح صناعات متعلقة بالصوف.
كما يمكن تحويل الزراعة المحلية إلى منتجات ذات قيمة مضافة. تشمل هذه الفرص الزراعة العضوية، ومعالجة الطعام المحلي، والسياحة الزراعية، وهو ما يُمكن رؤيته في مناطق أمريكا اللاتينية التي حسّنت إنتاج القهوة من خلال المعالجة المحلية والنماذج التجارية المباشرة.
وأيضا، فإن تحويل القرى القديمة إلى وجهات سياحية مستدامة يمكن أن يكون لها تأثير كبير على الاقتصاد المحلي، من خلال الحفاظ على التراث المادي الثقافي وتقديم الفوائد الاقتصادية للمجتمعات المحلية، يمكن للقرى القديمة أن تصبح وجهات سياحية جذابة ضمن مفهوم السياحة المستدامة والتي تهدف لتمكين المجتمعات المحلية . على سبيل المثال، استفادت توسكانا في إيطاليا والريف الفرنسي من الأصول التاريخية والثقافية لتطوير صناعات سياحية جاذبة ومستدامة ألقت بتأثيرها الإيجابي على اقتصاداتها الوطنية.
كما يمكن للقُرى القديمة أن تصبح مراكز للحرف اليدوية والفنانين المحليين، مما يخلق فرصاً اقتصادية فريدة ويُساهم في الحفاظ على التراث الثقافي.
يلعب الابتكار دوراً أساسياً في تحقيق النمو الاقتصادي المستدام. من خلال إنشاء مراكز الابتكار أو حاضنات الأعمال التي تستفيد من القوى والموارد المحلية، يمكن للبلدان الناشئة من خلال الابتكار أن تحقق نجاحاً مماثلاً لما حققته بنغالور في الهند أو نيروبي في كينيا.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمنصات الرقمية والتجارة الإلكترونية أن تُساهم في ربط المنتجين المحليين بالأسواق العالمية، مما يقلل من الاعتماد على الوسطاء ويزيد من الربحية. على سبيل المثال، يمكن الاستفادة من نماذج مثل علي بابا أو إيتسي وتطبيقها على الصناعات المحلية في الاقتصادات الناشئة.
يمكن إحداث تحول جذري في كيفية التعامل مع الاستراتيجيات والدراسات والبحوث المتعلقة بالتنمية والنمو الاقتصادي من خلال جعلها أكثر ارتباطاً بالميدان ومحركة بمعامل التأثير، إذ يتم التركيز على تطوير استراتيجيات موجهة بالنتائج، يجري تقييمها بشكل مستمر لضمان تحقيق الأثر الفعّال والإيجابي في الواقع.
الطريق نحو التنمية المستدامة يبدأ بخطوات ذكية تستغل كل مورد بحكمة، لتصنع من التحديات فرصًا ومن الموارد المحدودة نجاحات بلا حدود.