هل تستطيع الأفيال أن ترقص؟
صالح سليم الحموري
13-08-2024 08:48 PM
في عالمٍ يشهد تغيراتٍ متسارعة وتحدياتٍ غير مسبوقة، أصبحت المؤسسات الكبيرة والبيروقراطية أمام ضرورة التكيف مع هذا الواقع الجديد والعمل على "الابتكار الجذري" ومفهوم “10X” لتحقيق الاستجابة الفعالة لمتطلبات المستقبل. الفكرة المستوحاة من كتاب "هل من الممكن أن ترقص الأفيال؟" تطرح تساؤلاً حول إمكانية استيقاظ هذه المؤسسات من سباتها وتحولها إلى كيانات “رشيقة ومرنة” قادرة على مواكبة التغيرات.
دولة الإمارات العربية المتحدة قدّمت مثالاً حيًا على كيفية اعتماد منهجية جديدة للعمل الحكومي تهدف إلى "تغيير أدوات التغيير"، والانتقال إلى عمل "حكومي أسرع" وأقرب إلى الواقع وأكثر مواكبة للمتغيرات العالمية. هذا التحول يتطلب قيادة "مشاريع تحولية كبرى"، وليس فقط الاعتماد على خطط استراتيجية طويلة المدى كما كان الحال سابقًا. على سبيل المثال، تم تنفيذ مبادرات مثل "برنامج التحول الرقمي" الذي يعمل على تمكين الحكومة من تقديم خدمات متكاملة وذكية تلبي احتياجات المواطنين بسرعة وكفاءة.
في الماضي، كانت المؤسسات تعمل على تقديم أرقى الخدمات للمتعاملين وهذا النهج كان جيداً ومفيداً لفترة طويلة. لكنها لم تعد كافية في ظل المتغيرات العالمية الكبيرة. اليوم، يتعين على المؤسسات توقع متطلبات المتعاملين وتقديمها لهم حتى قبل طلبها، بل وتقديمها بجودة تفوق توقعاتهم. العالم الجديد، الذي يُعرف بعالم "الفوكا" (Volatility, Uncertainty, Complexity, Ambiguity) المضطرب وشديد التعقيد، لا يسمح بالاعتماد على القواعد التقليدية السابقة.
تُعد سنغافورة وإستونيا من أبرز الأمثلة العالمية على كيفية تحويل المؤسسات الحكومية إلى كيانات أكثر رشاقة وابتكارًا.
في سنغافورة، قدمت الحكومة مبادرات مثل "Smart Nation" التي تسعى لتحويل البلاد إلى دولة ذكية تعتمد على التكنولوجيا والبيانات لرفع كفاءة الخدمات الحكومية وتحسين جودة الحياة. من خلال هذه المبادرات، أصبحت سنغافورة نموذجًا يحتذى به في كيفية تحقيق الرشاقة الحكومية وتلبية توقعات المواطنين بسرعة وفعالية.
أما في إستونيا، فقد نجحت الحكومة في تقديم نموذج رائد عالميًا في مجال الحكومة الرقمية، حيث يمكن للمواطنين الوصول إلى أكثر من 99% من الخدمات الحكومية عبر الإنترنت. هذا النظام الرقمي لا يسهل فقط الوصول إلى الخدمات ولكنه يعزز من الشفافية والكفاءة ويقلل من البيروقراطية. على سبيل المثال، يستغرق تسجيل شركة جديدة في إستونيا بضع دقائق فقط بفضل النظام الرقمي المتقدم.
لتلبية هذه المتطلبات، لا يمكن للمؤسسات الحكومية أن تبقى متجاوبة فقط، بل يجب أن تكون في حالة من "الابتكار والتجديد المستمرين" ويجب مراقبة وفهم التغييرات بعناية عن طريق استشراف المستقبل، وخلق خدمات جديدة بجودة عالية تلبي تطلعات المواطنين وجميع المتعاملين لتنعكس إيجابًا على المؤسسة، وتعمل على "تصفير البيروقراطية في تقديم الخدمات" كل ذلك لن يتم الا من خلال "مشاريع تحويلية كبرى"، مثل نقل المؤسسات الحكومية من العمل وفق ميزانيات محددة إلى استثمار الأصول بطريقة مبتكرة وتوليد الإيرادات لتحقيق الاكتفاء الذاتي في الاحتياجات المالية، وعمل مشاريع تحول ذكي شامل لجميع الخدمات.
في النهاية، يمكن للأفيال أن ترقص، وكذلك يمكن للمؤسسات الكبيرة والبيروقراطية أن تتغير وتتحول لتصبح أكثر ديناميكية وفعالية. فالتحولات الرئيسية ليست مجرد خيار، بل ضرورة لاستدامة النجاح والريادة في عالم متغير. تحقيق هذا التحول يتطلب "رؤية قيادية"، وجرأة في اتخاذ القرارات، وابتكارًا مستمرًا يضمن الاستمرارية والتفوق في ظل التحديات المتزايدة.
** الكاتب خبير التدريب والتطوير بكلية محمد بن راشد للادارة الحكومية