facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




فلسطين بين الميثاق الوطني والميثاق القومي


د. محمود الشغنوبي
13-08-2024 07:07 PM

عندما صاغ الفلسطينيون مواثيقهم وعهودهم الغليظة التي أقسموا عليها، كانت كلها مواثيق تحرير، ولا شيء غيره، فـ "الميثاق القومي" الذي صيغ في بدايات انطلاقات حركات التحرر الوطني، ورد فيه لفظ "تحرير" من دون كلمات: حرّ وحرية وأحرار.

أمّا في "الميثاق الوطني" الذي جاء كتنقيح وتطوير لـ"الميثاق القومي"، فورد فيه هذا اللفظ 34 مرة في مواده الـ 34. ومن اللافت أنه لم يرد في الميثاقَين أي ذكر أو حتى مجرد إشارة إلى موضوع "الدولة" أو "السلطة" كهدف من الأهداف التي يسعى الفلسطينيون لتحقيقها، وإنما كان هناك مواد فيهما ترشد وبصورة واضحة وصريحة إلى أنه لا توجد مهمة تفوق مهمة التحرير، حتى لو كان ذلك كياناً أو دولة.

توالت على الفلسطينيين " سبعات عجاف" كثيرة، و مرّت عملية استبدال هدف "تحرير فلسطين" المقدس بأهداف ثانوية أُخرى "أقل قداسة"، الأمر الذي وضع اللبنة الأولى لإمكانية التدخّل و التفاوض بشأنها، كعملية "تعقيل" الفلسطينيين وترويضهم، والتي كانت تعتمد بالدرجة الأولى على ضربهم إلى الحدّ الذي يجعلهم يتعلمون فيه "الدرس" جيداً، ليجنحوا في اتجاه "الواقعية"، ولا بأس في أن تُسمّى تلك العملية بأبدع ما يمكن أن يرشد إليه الخيال الثوري، وهو "واقعية ثورية"!

ازدهرت مشاريع التسوية والحلول السياسية بعد هزيمة 1967، وتغيرت الأولويات من استعادة و" تحرير فلسطين " إلى "إزالة آثار العدوان"، واستندت تلك المساعي إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 الذي اعتُمد في تشرين الثاني/نوفمبر 1967، واعتُبر عمود التسوية وركنها الركين، وأخذت قوى عالمية وإقليمية تلعب دوراً في "التعقيل" والتنضيج، وكان من جملة ذلك التلويح للفلسطينيين بإغواءات وإغراءات "واقعية" كان التكيّف والتجاوب معها تجري ترجمتهما في قرارات المجالس الوطنية التي لم تكن تقرّ أي سياسات جديدة إلّا بعد نقاشات وسجالات مطوّلة. وقد فهمنا لاحقاً أن الخلاف لم يكن أحياناً في جوهر الموقف، وإنما في صوغه واخراجه والتعبير اللغوي عنه، فمثلاً بحسب بنود برنامج النقاط العشر، وبعد ضمان الموافقة على قيام السلطة الفلسطينية لم يكن هناك بأس في أن يضاف إليها نعت "سلطة مقاتلة". ولا بأس أيضاً، في أن تُعلَن منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً و"وحيداً" للشعب الفلسطيني في قمة الرباط في سنة 1974.

وفي عملية العبث هذه التي جرى فيها تغيير الأهداف العليا واستبدالها، طُرحت ثلاثة أهداف وطنية بديلة، ليُستعاض بها عن هدف "تحرير فلسطين" الجامع، وهي مثلما أُعلنت في سنة 1974 في الرباط "سنة تغيير وجهة الرأس السياسي الفلسطيني"، وهي:حقّ العودة، وحقّ إقامة دولة، وحقّ تقرير المصير. وغدا "خطاب الحقوق" هذا خاضعاً لمنطق الحقوق التي تسمح فيها قوانين الأمم المتحدة الجائرة بحقّ فلسطين وقضيتها.

وأصبح يشار إلى التنازلات عن الثوابت سنة 1974، على أنها مطالب الحدّ الأدنى، والحقيقة أن هذا الحدّ الأدنى كانت قد رسمته قرارات مجلس الأمن الدولي الجائرة، ولم تكن من سياسات الفلسطينيين وقرارات مجالسهم الوطنية. بل إن المتتبّع لمسار التغيير في الفكر السياسي الفلسطيني، سيكتشف أنه لم يكن في الواقع غير محاولة لاختراع المصطلحات والمسمّيات والمقولات من أجل التكيّف والتماثل مع ما يسمّى "الشرعية الدولية"، هذه الشرعية التي كان أحد شروط اعتناقها ليس فقط خلع الشرعية النضالية التحررية السابقة، بل أن يحلّ محلّها شرعية استعمار فلسطين والاعتراف بدولة الاحتلال كـ "حقيقة سياسية مطلقة"، وعدم الإتيان بأي شيء يُخلّ بذلك، وبالتالي، فإن هذه الثوابت الفلسطينية المستحدثة إنما تنطلق من ثوابت "الشرعية الدولية" الظالمة، وهو ما يجعل تلك الثوابت من وجهة نظر وطنية، على الرغم من إغراء ألفاظها ووزنها القانوني والسياسي، يعتريها الفساد والاعوجاج.

مع تكاثر الحديث عن مبادرات ومشاريع التسوية في الساحة الفلسطينية، بعد الخروج من بيروت في سنة 1982، كثر في الأدبيات الفلسطينية مذّاك، التذكير، في المقابل أيضاً، بالثوابت الوطنية الفلسطينية والوقوف عندها وعدم تجاوزها.

كان المقصود بالثوابت تلك المستحدثة بعد سنة 1974، وهي: حق العودة وإقامة الدولة وتقرير المصير، علاوة على ثابت وحدانية التمثيل الفلسطيني وحصره بمنظمة التحرير الفلسطينية. أمّا أبو الثوابت "تحرير فلسطين"، فتأكد طيّ صفحته عملياً "بعد سنة 1982" بعد أن طُوي نظرياً في برنامج النقاط العشر "البرنامج المرحلي" و المقصود بالمرحلية لم يكن تحرير فلسطين على مراحل، وإنما الاعتراف بـ "إسرائيل" على مراحل، وهذا ما أثبتته التجربة لاحقاً.

حديثاً وبينما كان يتم "تعقيل الفلسطينيين وترويضهم" أخذت دولة الاحتلال حاجتها الكاملة من خلال اتفاق "أوسلو"، ثم أسقطوه من طرفهم، لأنهم لا يرون بين سطوره أي عائق يحول دون تماديهم في الاستيطان وما يزعمونه من "حقّ خالد" لهم في أرض فلسطين.

اعتقد كثيرون أن هناك مضموناً وطنياً لاتفاق "أوسلو" عند توقيعه باعتباره يَعِد بدولة فلسطينية متوقعة، بينما واقعه المر أنه كان "اتفاق إعلان مبادئ"، ولم يكن "معاهدة سلام". ووصل ذلك الإعتقاد إلى خاتمته باغتيال الرئيس ياسر عرفات. ثم إن مرحلة "ما بعد أوسلو" ضاقت هوامشها الوطنية إلى حدّ كبير، وباتت في الحقيقة تعكس مكوّناً من مكونات إدامة الاحتلال، وأداة من أدوات سيطرته وهيمنته، ووصل الحال إلى "سلطة بلا سلطة، واحتلال بلا كلفة.

الحقيقة أن الأجيال الجديدة "أجيال غزة والضفة" تفاجئنا دائماً بأنها لم تغادر بفطرتها السليمة جذورها، ولم تحتاج في ذلك إلى كثير من التعبئة أو التنظير، بل ربما أن الوعي الفطري البكر لدى تلك الأجيال الجديدة يتجسد أمامها في جميع مظاهر الاحتلال التي تستفزّ فيها مكامن طاقتها ودافعيتها، ولا بأس في أن تسعى القوى الحية والمفكرة والمثقفة والمسيّسة، وكل مَن يعنيه الشأن العام الفلسطيني، وهي في طريقها للعودة إلى جذورها، لأن يكنسا ويعزلا في طريقهما هذا الركام كافة.

فلسطين لا تحتاج الى "نقيقنا " و تبرمنا على ما نرى، و لا هي تحتاج الى القاء كل اللوم على امريكا ودولة الاحتلال والتسويات، أو التسلي بنظريات المؤامرة . فلسطين تحتاج منا – ان القينا السمع و نحن شهداء- ان نؤدي فرض العين الواجب على كل من آمن بالله : الجهاد .

اما عن "جهاد الميدان" فهنالك من يبلي فيه بلاء حسنا و يشق طريقة للجنان و يحتاج منا الدعم الدُعائي والمادي والذي لا نملك غيره. المشكلة كل المشكلة انه و على الجانب الاخر من العالم هنالك من يرقب ، يصور و يعرض ما يحدث على انه مصنع للارهاب.

الاستحقاق الواجب علينا هنا هو ان نقوم ب"جهاد اللسان" ، بكلمة حق امام اعلام عالمي أعور. فهناك وعلى الجانب الآخر من النهر، هناك من يتعطف و يتلطف و يتعلم لغتنا ليسمع الى نظرتنا، وما نحتاجه بسيط ، و بُحَّ صوت الكثيرين في الدعوة اليه : واقعية تقدم التحليل السياسي بطريقة عقلانية ، مقنعة و موضوعية دون تشنج ، تقدم تصحيح الفكرة مدعما بالحقيقة، هنا يمكننا ان نلوم الاخر ان اصابه الرهاب منا.

الفلسطينيون مدعون ثانية إلى العودة إلى الأصل والجذر وإشهاره، حتى لو استغرق ذلك عشرات الأعوام، فهذا أقصر الطرق، مع أن طبيعة عصرنا تتوفر فيها حركة زمن قافزة، تنطوي على سيولة في التحولات والفرص. ثم إن التحرير، وكما في كل التجارب، يعتمد على فعل الإرادة، والأجيال الراهنة تملك استعداداتها النضالية العالية التي تؤهّلها للمقارعة والمنازلة، مع ظرف دولي يشهد تغيرات عميقة تتيح المجال لإحداث تسجيل نقاط فارقة على طريق التحرير، إذا ما انتظم الفعل النضالي واتّسق في مسار تحرري حقيقي.

لذلك، إن العودة إلى "تحرير فلسطين" هي عودة إلى تحقيق الانسجام والتناغم والاندماج الكلي لجميع الفلسطينيين، وعودة الروح إلى الجسد بعد أن جعلهم اتفاق "أوسلو" لا يشبهون أنفسهم. وربما هناك مَن سيحاجج بأنه هناك قطاعات من الفلسطينيين لم يعد "تحرير فلسطين" يعنيها أو تتخذه هدفاً لها، وهذا متوقع، ولذلك فإن الإجماع الذي لابد منه في واقع الأمر، لا يقتصر على أربعة عشر مليون فلسطيني حصراً، فحتى لو أجمع هؤلاء عن بكرة أبيهم، فإنه لا غنى عن توسيع الإجماع ليطال المحيط العربي والإسلامي، فأمر فلسطين، مثلما تؤكد جميع وثائق الفلسطينيين، هو شأن علائقي وذو صلة بمحيطه، ويَعتبر فيه الفلسطينيون أنفسهم أنهم رأس حربة وطليعة أمتهم، وإن انتظار فاقدي الاقتناع بتحرير فلسطين كي يقتنعوا، إنما هو إضاعة أُخرى لوقت آخر.

وسلامتكم.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :