الأحزاب .. ومشروع التحديث الوطني الشامل
د.زهير أبو فارس
13-08-2024 03:23 PM
يمكن الجزم بأن المشروع الوطني للتحديث السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإداري الشامل ، هو قرار ومسار جدي، لا رجعة عنه، وفق رؤى جلالة الملك، الذي لا يرى بديلا عن مشاركة كافة الأردنيين والاردنيات الفعالة في بناء حاضرهم ومستقبلهم ، وأن رهان جلالته وسمو ولي العهد ، لا يزال معقودا على الطاقات الهائلة الكامنة في مجتمعنا، بكافة فئاته، وبخاصة جيل الشباب(الذي لم ياخذ دوره بعد ) ، في مواجهة التحديات ، مهما كبرت، وتحويلها إلى فرص للعطاء والإبداع.
لكن، وللأسف، ولاسباب داخلية وذاتية ، ظهر بيننا، ما يمكن تسميته ، "بشغب النخب "-وهي قوى وأشخاص يبدو غير معنيين في تطوير الحياة السياسية، وتضع العراقيل في دواليب العمل الديموقراطي، بسبب مكتسباتها التي حصلت عليها بالآليات التقليدية، كالمحاصصة، والجهوية، وتعاند من أجل ابقاء الواقع كما هو عليه. فهذه القوى تساهم في تسميم الأجواء في وجه اي مشروع إصلاحي، وتستخدم من أجل ذلك الإشاعات والتشكيك والاتهام، وإشاعة أجواء السلبية وعدم اليقين في المجتمع. واخر جولاتها عندما تشكلت اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية والاقتصادية والإدارية. حيث لا تزال بسلبيتها تلاحق مخرجات اللجنة، وتشكك في جدوى الحياة الحزبية، وتطوير آليات عمل مجلس الأمة، وفق القوانين التحديثية - الإصلاحية ، التي أقرت ، كقانوني الأحزاب والانتخاب.
وهنا لا بد من القول بأنه لا يجوز أن نبقى أسرى معادلة: من هو في داخل المؤسسات العامة يدعم توجهات الدولة بكافة سلطاتها واذرعها السيادية ، ومن يخرج منها ينقلب عليها وعلى سياساتها وتوجهاتها، مهما كانت . وكاتب هذه السطور يزعم ان التحديات الداخلية لاتقل أهمية في اخطارها عن التحديات الخارجية، التي يمكن مواجهتها ، بشرط واحد ، وهو تمتين الجبهة الداخلية. فالصراع الداخلي يضعف المجتمع، ويعيق مسيرته نحو التجديد والإنجاز.
وعودة إلى وضعنا الحالي ، فقد تم استكمال بناء هياكل الأحزاب السياسية في وقت قياسي، وتم تصويب أوضاع القائم منها، وفق الأجندة الزمنية المحددة، مع أهمية الإشارة إلى أنها لا تزال بحاجة إلى مزيد من الوقت لإخراج برامجها ، وفقا لمعطيات الواقع الأردني. كما أن اعتمادنا للأحزاب كرافعة حقيقية وفعالة في الحياة العامة ، نكون قد اخترنا الرابطة الوطنية كمعيار في فرز النخب السياسية ، واستبدالها بالمناطقية والجهوية التي ادت إلى تفشي ظواهر الواسطة والمحسوبية والولاءات الفرعية. لكن نجاح التجربة الحزبية يحتاج إلى منحها الوقت الكافي للتعامل مع هذه الفرصة التاريخية ،من أجل افراز نخب جديدة تغلب المصلحة العامة على المصالح الذاتية ، وهذا كفيل بضخ دماء جديدة في دورة الحياة السياسية الأردنية ، لتصبح معها مؤسساتنا أكثر قدرة على العطاء والانسجام مع دورها الدستوري. اي أن تصبح الأحزاب كفيلة بتنظيم المجتمع سياسيا، وقادرة بكوادرها وقواعدها الجماهيرية على إشاعة أجواء الحريات والعمل الديموقراطي ،
والمنافسة المشروعة،وفق أحكام القانون والدستور، مما يشكل بديلا عن الفوضى التي قد تلجأ إليها بعض فئات المجتمع للمطالبة بالحقوق العامة، أو التفاعل غير المنظم مع المطالب والأحداث والتحديات. اي أن الأحزاب ستكون الاقدر على التعامل مع التحركات الجماهيرية ،وإعادة تأهيلها وتاطيرها من خلال العمل المنظم.
من هنا ، فإن المستقبل السياسي في بلادنا مرهون بمدى نجاح هذه التجربة التي اختارتها الدولة الاردنية وفق واقعها ومتطلباتها التاريخية. ونعتقد ان المستقبل السياسي سيكون للعمل المنظم والمؤطر ، وليس للعمل الفردي . فكل من يريد أن يكون له دور في الحياة العامة عليه المشاركة بشكل مباشر وفعال في هذه التجربة الحديثة ويدعم تطورها،وفق ارثنا السياسي المرن ، بطبيعته ،القادرعلى امتصاص الأزمات ،ونظامنا السياسي المتوازن والانساني المنحاز إلى الاعتدال، بعيداعن التطرف والصدامية. لكن مشكلتنا تبقى -كمااسلفنا-في (النخب ) التي تعيق قاطرة الاصلاح، اما عن قصد او جهل. وهنا فإن قيادات العمل الحزبية مدعوة إلى التفكير بانماط جديدة في العمل العام ،تقوم على البرامجية ،ووضع تصورات لتطوير واقع وحياة واولويات المجتمع الأردني في المجالات الحيوية كالصحة والتعليم، والنقل، والزراعة، ومجالات الحياة الأخرى ، وايلاء الاهتمام باليات مواجهة البطالة والفقر ، والابتعاد عن الشعارات البعيدة عن الواقع والتي تستغل العواطف الشعبية في ما لا طائل منه.نريد من الأحزاب ما تقدمه من رؤى وبرامج تؤهلها لإدارة الحكومات ، وبخاصة اننا مقبلون ،بعد حين، على مرحلة الحكومات البرلمانية الحزبية. وقد أثبتت التجربة التاريخية عدم فاعلية تحويل الأحزاب إلى ما يشبه الهياكل المقدسة التي تتقوقع على نفسها ، لتعيش على الشعارات ورفض الاخر ،والتي فشلت في إيجاد الحلول الواقعية لقضايا الناس اليومية.
وأخيرا، فإن مجتمعنا وقواه السياسية والفكرية ، وبخاصة الأحزاب، أمام فرصة تاريخية للانخراط بنشاط لانجاح مشروعنا الوطني للتحديث الشامل، الذي يتبناه ويؤمن به ملك إصلاحي حداثي بامتياز، مسكون بحلم بناء الأردن القوي المزدهر الانموذج لكل أبنائه وبناته، في إطار دولة القانون والعدالة والرفاه والمؤسسات الراسخة.
ويقينا ان المشاركة الايجابية الفاعلة لشعبنا في انتخابات المجلس النيابي العشرين في العاشر من الشهر القادم يمثل الفرصة لاختبار القوانين التحديثية وقدرة المجتمع على توظيفها في ترسيخ مسيرتنا الديموقراطية والمشاركة الواسعة في بناء الحاضر والمستقبل الذي نريد..