غزة تحت النار: تصعيد يهدد التهدئة ويشعل فتيل الرد الإقليمي
د. ليث عبدالله القهيوي
12-08-2024 11:57 AM
شهدت غزة تصعيداً مروعاً في الأسابيع الأخيرة، حيث استهل جيش الاحتلال الإسرائيلي يومه الـ311 من الحرب المدمرة بقصف مدرسة "التابعين" في حي الدرج، مما أدى إلى استشهاد أكثر من 100 شخص، غالبيتهم من المدنيين النازحين. تأتي هذه المجزرة في وقت حرج للغاية، حيث تتزامن مع محاولات دولية لإحياء مفاوضات التهدئة وتبادل الأسرى بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية.
العدوان الإسرائيلي الأخير يعكس رغبة واضحة في تكثيف الضغط على الفصائل الفلسطينية، متجاهلاً كافة الأعراف والقوانين الدولية التي تحظر استهداف المدارس والمنشآت المدنية , الجيش الإسرائيلي، الذي ادعى استهداف "مقر قيادة عسكري تابع لحماس"، ارتكب مجزرة بحق المدنيين العزل، مما يشير إلى نية مبيتة لزعزعة الاستقرار في القطاع وتحطيم معنويات المقاومة.
في هذا السياق، لم تتوان الفصائل الفلسطينية عن إدانة هذا العدوان ووصفه بجريمة إبادة جماعية , ورداً على هذه المجزرة، أعلنت كتائب القسام مبايعة يحيى السنوار رئيساً للمكتب السياسي للحركة، مؤكدة جاهزيتها الكاملة لتنفيذ قراراته , هذا الإعلان يعكس تصميماً على الرد بقوة على الهجمات الإسرائيلية، مما يشير إلى احتمال تصعيد المقاومة المسلحة في وجه الاحتلال.
وسط هذه الأجواء المتوترة، تأتي محاولات الوسطاء الدوليين لاستئناف مفاوضات التهدئة وتبادل الأسرى بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية , إلا أن هذه المحاولات تواجه الآن عقبات كبرى بسبب العدوان الإسرائيلي الأخير، الذي يسعى بشكل واضح لإفشال الجهود الدولية في هذا الصدد , التحليل السياسي يشير إلى أن إسرائيل قد تكون تحاول فرض معادلة جديدة على الأرض من خلال تصعيد العمليات العسكرية، وذلك لفرض شروط تفاوضية أكثر صرامة , هذا الأمر قد يعكس تخوفاً من إمكانية تحقيق الفصائل الفلسطينية لمكاسب سياسية أو عسكرية من خلال المفاوضات، خاصة في ظل تزايد الدعم الإقليمي والدولي للقضية الفلسطينية.
في السياق الإقليمي الأوسع، لا يمكن تجاهل تأثير التطورات الأخيرة على موقف حزب الله وإيران , فأستهداف قيادات في حزب الله، والاغتيال لإسماعيل هنية في إيران، يمثل تصعيداً خطيراً قد يدفع المنطقة نحو مزيد من التصعيد , حزب الله، الذي يعتبر نفسه شريكاً استراتيجياً للمقاومة الفلسطينية، قد يرد على هذه العمليات باستهداف مواقع إسرائيلية، سواء في لبنان أو في الداخل الإسرائيلي، مما سيؤدي إلى فتح جبهة جديدة في الصراع , أما إيران، التي تُعتبر الداعم الرئيسي لحزب الله وحماس، فمن المتوقع أن تتخذ خطوات انتقامية ضد المصالح الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة , وقد يشمل الرد الإيراني دعم الفصائل الفلسطينية بالمزيد من الأسلحة والتقنيات المتطورة، أو استهداف القوات الأمريكية المتواجدة في العراق وسوريا.
هذا التصعيد المتبادل قد يدفع المجتمع الدولي إلى التدخل بشكل أكثر حزمًا لمحاولة احتواء الموقف , إلا أن الانقسامات داخل مجلس الأمن وبين القوى الكبرى قد تعرقل هذه الجهود خاصة في ظل الدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل و في هذا السياق، ستبقى الدول العربية والإسلامية مطالبة بموقف موحد للضغط على المجتمع الدولي لاتخاذ خطوات جادة لوقف العدوان الإسرائيلي وحماية الشعب الفلسطيني.
في هذا المشهد المعقد، يلعب الأردن دوراً محورياً في محاولة تهدئة الأوضاع والدفع نحو حل دبلوماسي ولطالما كانت المملكة الاردنية الهاشمية شريكاً أساسياً في جهود السلام بالمنطقة، وهي الآن تقود الجهود الدبلوماسية لوقف التصعيد العسكري وإعادة الأطراف إلى طاولة المفاوضات .
الأردن، الذي يدرك تماماً خطورة انفجار الأوضاع في غزة على الاستقرار الإقليمي، يبذل جهوداً مكثفة مع حلفائه في المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل لوقف عدوانها والالتزام بالقانون الدولي , كما يسعى الأردن إلى تأمين مساعدات إنسانية عاجلة للمدنيين المحاصرين في غزة، ويعمل على تعزيز التضامن العربي في مواجهة التصعيد الإسرائيلي.
إن التصعيد الأخير في غزة، الذي تمثل في مجزرة حي الدرج واستهداف مدرسة "التابعين"، لا يقتصر على كونه جريمة حرب بل يحمل أبعادًا استراتيجية وسياسية معقدة و إسرائيل تسعى من خلال هذا التصعيد إلى فرض معادلة تفاوضية جديدة تستهدف كسر إرادة المقاومة، في حين أن الفصائل الفلسطينية مدعومة بحلفائها الإقليميين قد تجد نفسها مضطرة للرد بقوة، مما قد يؤدي إلى توسيع دائرة الصراع في المنطقة و في ظل هذه المعطيات، يبدو أن الجهود الدولية لإعادة استئناف مفاوضات التهدئة وتبادل الأسرى قد تواجه عقبات كبيرة، وربما تؤدي هذه الأحداث إلى تأجيلها أو تغيير موازين القوى على الأرض.
ويبقى السؤال الأكبر: هل سينجح المجتمع الدولي في وقف هذه الدوامة من العنف قبل أن تتحول إلى حرب شاملة في المنطقة ؟.