التل يكتب: الاردن المولود في النار
محمد حسن التل
11-08-2024 07:27 PM
في كل مرة تشتعل في المنطقة أزمة ، يجد البعض فيها فرصة للتباكي الكاذب على الأردن بحجة أن الخطر يهدده وكأنه لا سمح الله العظيم دولة فاشلة لا تملك أسس الثبات والقوة والسيادة ، ففيه أقدم نظام سياسي في المنطقة وأكثرها استقرارا ، وهو دولة أسست على معادلة راسخة أركانها مؤسسة الحكم والشعب والجيش والأجهزة الأمنية ، يؤطر هذه الأعمدة بيعة لا فكاك عنها ، وهذه معادلة تفتقر إليها معظم دول المنطقة وليس دول عربية كثيرة فقط ..
الأردن يشكل عامودا رئيسيا في استقرار المنطقه وتوازن المعادلات السياسيه فيها لأنه كما أشرت دولة قوية بنظام حكمها الراسخ وارتباط شعبه به بعلاقة تلاحمية لا يمكن المساس بها ، وسياسته واضحة ومواقفه ثابتة وغير متقلبة ، الأمر الذي أكسبه احترام العالم وثقته .
الذين يتباكون على الأردن نقول لهم الأردن أقوى من كل الأزمات ، وإذا كان الملك نفسه طالما قال أن الأردن قوي بوحدته الوطنية وجيشه وأجهزته الأمنية وبسياسته الواضحه وهو فخور بهذه الوحدة الوطنية التي تشكل عاملا أساسيا في قوة الأردن فهل يبقى قول بعد قول الملك.
هذه ليست أول مرة يجد الأردن نفسه أمام تحد كبير، فقد واجه تحد أكبر قبل ثمان سنوات بما سمي بصفقة القرن ، ولا زالت اللاآت الملكية الثلاث حاضرة أمام كل العالم ، كلا للوطن البديل ، كلا للمساس بالقدس ، كلا للتهجير وخرج منن المؤامرة أقوى..و
في عام ٢٠٠٥ وعند وقوع الاعتداء على الأردن من قبل عتاولة الإرهاب الذي عرف بتفجيرات عمان ، خرج الأردن من هذه المأساة بكل قوة واقتدار ، وقد تلقى الضربه الموجعة ، وكثير من الدول واجهت نفس الموقف ولم تستطع الخروج منه .
لا شك أن الأردن الآن في أزمة ربما تشتعل نارها في أي لحظة ولكنه كما قال الشهيد وصفي التل ، الأردن ولد في النار ولن تحرقه النار .
ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة أن يضطر الأردن أن يواجه أزمة في المنطقة ، وقد عركته الأزمات ودائما يخرج منها أقوى كما اثبت التاريخ ويكون عامل حسم قوي في إنهائها ، وواجه نفسه العديد من الأزمات التي استهدفته ولم تستطع أن تنال منه ، أولها نكبة فلسطين ١٩٤٨ ونتا ئجها عليه ، ثم نكسة ١٩٦٧ والتي جاءت بسبب تصرفات غير مدروسة من قبل كثير من العرب ، خسر الأردن بها نصف المملكة ، ثم عام ١٩٧٠ حيث استهدف الأردن في العمق لكنه استطاع أن يفشل ما دبر بالليل..
وعندما تتحرك الدبلوماسية الأردنية بقيادة الملك إلى أبعد مدى وتدخل مساحات معقدة في سبيل حل الأزمة المشتعلة الآن ، فإن الفعل الأردني هذا يأتي أولا للحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني ورفع القتل عنه ، ثم لأن دبلوماسيته الأكثر تأثيرا على مستوى العالم المتأتية من الثقة الكبيرة التي بناها الملك عبدالله الثاني على امتداد ربع قرن ، لذا كلما اشتد الصدام بين أطراف أي أزمة في المنطقة تتدخل الدبلوماسية الأردنية لنزع فتيل نارها .
ليس من الصحيح أن يقول البعض أن الأردن ليس له علاقة بالحرب الدائرة في غزة ، فهذا كلام غير دقيق ، فهو مشتبك مع الحرب منذ اليوم الأول على جبهة الدبلوماسية ، الجبهة التي لا تقل صعوبة وصداما عن جبهة القتال على الأرض ، واستطاع أن ينجز لقضية الشعب الفلسطيني الكثير على المستوى الدولي ،ذلك لأنه يعتبر أن حمله للقضية الفلسطينية واجب قومي ورسالي .
إن الذين يريدون أن ينكفيء الأردن على نفسه ويترك ما يجري في المنطقة وبالذات القضية الفلسطينية بحجة الحفاظ على مصالحه لا يريدون به خيرا ، لأنه يجب أن يكون حاضرا وأساسا في أي تموضع جديد في المنطقة حفاظا على مصالحه العليا وحفاظا على أمنه واستقراره .
لقد حسم الأردن موقفه من المعركة ، بانه يقف إلى جانب الحق الفلسطيني في رفع القتل عنه وحقه في التحرر وقيام دولته ، وليطمئن البعض "الخائف" أن سيادة الأردن لا يستطيع أحد خدشهاكما قال الملك وأعلنها مدوية ، أنه لن يسمح لأحد بأن يستخدم أجواء الأردن في أي معركة متوقعه وسيحفظ حدوده البرية بأي ثمن .
الأردن بخير ولا يستطيع أحد أن يمسه ولكنه لن يتخلى عن واجباته القومية ابدا.