موقع الأردن الجيوسياسي وتداول الشائعات
د. أشرف الراعي
11-08-2024 03:22 PM
تعد الشائعات من أخطر الظواهر الاجتماعية التي تهدد استقرار المجتمعات وتماسكها، وهي ليست مجرد أخبار زائفة تنتشر هنا وهناك، بل قد تكون أداة لتدمير سمعة الأفراد، وتقويض ثقة الناس بالمؤسسات، وإثارة الفتن بين فئات المجتمع المختلفة، و في هذا السياق، يأتي دور القانون للحد من هذه الظاهرة والوقوف بمواجهتها بكل حزم، وهو ما نجده واضحاً في التشريعات الجزائية الأردنية التي تعالج تداول الشائعات وخطورتها.
والشائعة هي معلومة غير موثوقة يتم تداولها بين الناس بشكل غير رسمي، وغالباً ما تكون مضللة أو مشوهة للحقائق، وتنتشر بسرعة كبيرة خاصة في ظل الثورة الرقمية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية، مما يجعلها خطراً حقيقياً يهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي؛ إذ قد تؤدي إلى فقدان الثقة بين أفراد المجتمع، وزعزعة استقرار الاقتصاد، وحتى التسبب في أزمات أمنية.
وبالطبع، تمتلك بلادنا موقعا جيوسياسيا حساساً، حيث يقع الأردن في قلب منطقة الشرق الأوسط، مجاوراً لدول تشهد توترات وصراعات مستمرة وهو ما يجعله عرضة لتأثيرات إقليمية ودولية قد تؤدي إلى تداول شائعات تسعى لزعزعة استقراره الداخلي، كما أن الأردن يعد نقطة التقاء للعديد من المصالح الإقليمية والدولية، مما يجعله هدفًا للشائعات التي تهدف إلى التأثير على قراراته السياسية أو الاقتصادية.
وبالتالي، تعتبر الشائعات في هذا السياق أداةً فعالة يمكن استخدامها من قبل أطراف خارجية أو داخلية لخلق حالة من الفوضى أو التأثير على الرأي العام؛ فعلى سبيل المثال، قد تسعى بعض الأطراف إلى نشر شائعات حول الأوضاع الأمنية أو الاقتصادية بهدف إثارة الذعر بين السكان، أو التأثير على استقرار الدولة، وفي ظل هذه الظروف، يصبح التصدي للشائعات ليس فقط مسألة قانونية، بل جزءاً من استراتيجية الحفاظ على الأمن الوطني.
والقانون الأردني، مثل العديد من الأنظمة القانونية في العالم، يدرك خطورة الشائعات ويعالجها من خلال نصوص قانونية صارمة، وفقًا لقانون العقوبات الأردني، الذي يعاقب على نشر الأخبار الكاذبة أو المضللة والتي من شأنها إثارة الذعر بين الناس أو الإضرار بالسلامة العامة، وكذلك قانون الجرائم الإلكترونية الذي يعاقب في المادة 15 منه على تداول الأخبار الكاذبة، كما يجرم تداول الأخبار الزائفة.
فمع التطور التكنولوجي وزيادة استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت الشائعات أكثر انتشاراً وأسرع تأثيراً؛ حيث تتيح هذه الوسائل للجميع نشر المعلومات دون تحري الدقة أو التأكد من صحتها، مما يزيد من صعوبة التحكم في تداول الشائعات، ولهذا، كان لابد من تعديل التشريعات لمواكبة هذا التطور، حيث جاء قانون الجرائم الإلكترونية الأردني ليضيف مزيداً من الحماية ضد تداول الشائعات عبر الإنترنت، ويعاقب على نشر المحتويات الكاذبة والمضللة على الشبكة.
وعلى الرغم من وجود تشريعات صارمة للحد من انتشار الشائعات، مع وجهة نظرنا في بعض النصوص والتي تتعلق بالسياسة العقابية، إلا أن الحل الأمثل يكمن في تعزيز الوعي المجتمعي بأخطار الشائعات وكيفية التعامل معها؛ إذ يجب على الأفراد أن يدركوا أهمية تحري الدقة قبل نشر أو إعادة نشر أي معلومة، وأن يكونوا على علم بالعواقب القانونية التي قد تترتب على ذلك، كما يجب تعزيز دور الإعلام في نشر الوعي وتثقيف الجمهور حول هذه المسألة، مع التأكيد على المسؤولية الاجتماعية والقانونية في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
إن مواجهة الشائعات هي مسؤولية جماعية - كما أشرت - تتطلب تضافر جهود القانون والمجتمع والإعلام، ومع وجود التشريعات اللازمة في الأردن للحد من هذه الظاهرة، يبقى الدور الأهم على عاتق الأفراد في تحري الدقة وتحمل المسؤولية عن كل ما يتم تداوله؛ فعلينا كأفراد في هذا المجتمع الطيب أن نكون حراسا للحقيقة، وأن ندرك أن الكلمة قد تكون سلاحا ذو حدين، فإن لم نحسن استخدامها قد تؤدي إلى عواقب لا تحمد عقباها لا سمح الله … وختاما حمى الله الأردن.