حياتنا مراحل متتالية، وفي بداية كل مرحلة منها، نحتاج إلى تجهيز أنفسنا للانطلاق نحو تحقيق أهدافنا. يجب أن نبدأ بتحديد الأهداف التي نسعى لتحقيقها، والحصول على الموارد اللازمة لدعمنا في هذه الرحلة، وتحديد الطريقة التي سنسلكها للوصول إلى غايتنا. ومن ثم، يجب علينا الانطلاق بثقة والعمل بجدية للتحقق من تحقيق ما نطمح إليه عند نهاية كل مرحلة.
الانطلاق هو التعبير عن بداية جديدة، سواء كانت مرحلة حياتية أو مشروعاً جديداً. هو اللحظة التي نبدأ فيها المسير ونحن محملون بكل ما نحتاجه من استعدادات، نشعر بقوة تدفعنا نحو الأمام، وندرك أنه لا يوجد شيء يمكن أن يعيقنا عن تحقيق أهدافنا. هو السير بثبات نحو المستقبل في طريق مضاء بالتفاؤل والحماس، حيث نشحن أنفسنا ومن حولنا بطاقة إيجابية للعمل والبناء وإعمار الأرض. وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اعقلها وتوكل"، فإن الانطلاق يستند إلى الاستعداد الجيد والتوكل على الله.
يقول الكاتب "ميهالي شيكرنتميهالي" في كتابه "انطلق"، إن الإنسان يسعى طوال حياته لتحقيق السعادة، فهي الغاية الأسمى التي يبحث عنها الجميع. السعادة ليست غاية في حد ذاتها، بل هي النتيجة التي نطمح إليها من خلال السعي وراء الصحة، والمال، والحب، والسلطة. لذلك، يجب أن ننطلق في حياتنا واضعين نصب أعيننا أن كل ما نقوم به هو جزء من سعينا لتحقيق هذه السعادة.
كل عمل نقوم به، بغض النظر عن مكانه أو مستواه، له أهميته في بناء الحياة. الأدوار المختلفة التي نؤديها تتكامل لتحقيق الهدف الأسمى. وعندما يرتبط العمل بقيمة عليا تتمثل في مساعدة الآخرين وتحقيق سعادتهم، يصبح أكثر أهمية وجاذبية لأصحاب الكفاءات.
فجزء كبير من سعادة الإنسان في عمله ينبع من إدراكه لدوره في تحسين حياة الآخرين والشعور بالفخر بالقيمة التي يمثلها عمله.
العمل في الوظائف الحكومية يحمل بريقاً خاصاً، حيث يتيح للموظف دوراً في خدمة الناس والوطن وتحقيق رؤية الدولة. وقد تغيرت النظرة للقطاع الحكومي في العقود الأخيرة، خاصة مع تبني مفهوم "إعادة اختراع الحكومة" الذي أطلقه "ديفيد أوزبورن" و"تيد جايبلر" عام 1992، والذي يعبر عن التحول في دور القطاع الحكومي ليصبح أكثر ديناميكية وكفاءة.
إن الوظيفة لم تعد مجرد وسيلة لكسب العيش؛ بل هي وسيلة لتحقيق الذات والمساهمة في بناء المجتمع. وكما يقول الشيخ محمد بن راشد: " نحن محظوظون لأننا نعمل في الحكومات، وظيفتنا ليس وظيفة عادية، وظيفتنا أجمل ما في حياتنا، بل هي الحياة، وظيفتنا عظيمة نغير من خلالها حياة الملايين نحو الأفضل. لا تستهن بدورك أو عملك أو جهدك. فأنت تعمل في مجال صنع الحياة وتصميم المستقبل وبناء الأوطان". العمل هو المحرك الرئيسي للتقدم والارتقاء، وهو وسيلة لاستثمار القدرات الإنسانية والموارد الطبيعية لتحقيق الرفاهية والتطور في المجتمعات.
في عالم اليوم، "عالم الفوكا" تزداد الحاجة إلى الفكر الخلاق و"الابتكار"، والتواصل الفعّال، والعمل الدؤوب الرشيق، والاستعداد لمواجهة التحديات، "الاستباقية". ومع تزايد الفرص، يصبح من الضروري العمل بكفاءة واتخاذ القرارات الصائبة، حيث يتطلب النجاح عزيمة لا تلين ورؤية مستقبلية تركز على الاستفادة القصوى من القدرات البشرية. بهذا النهج، يمكننا الانطلاق نحو بناء حياة أفضل وسعادة دائمة. "فلا تعش نصف حياة"، كما يقول جبران خليل جبران.
* صالح سليم الحموري/ خبير التدريب والتطوير/ كلية محمد بن راشد للادارة الحكومية.