قانون الخدمة المدنية والتحديث .. إلى اين؟
د. مالك القصاص
10-08-2024 03:18 PM
تشكل نسبة موظفي القطاع العام في الأردن جزءاً كبيراً من القوى العاملة، حيث يبلغ عدد موظفي القطاع العام حوالي 218 ألف موظف. كما وتشكل رواتبهم وتعويضاتهم حوالي 65% من موازنة الدولة. هذه النسبة تعتبر مرتفعة مقارنة بالدول الأخرى، وتعكس اعتماد الاقتصاد الأردني بشكل كبير على القطاع العام. تعكس هذه الأرقام التحديات التي يواجهها الأردن فيما يتعلق بكفاءة استخدام الموارد البشرية والحاجة المستمرة لإصلاحات في نظام الخدمة المدنية لتعزيز الإنتاجية والكفاءة وتوفير بيئة عمل جاذبة للكفاءات والمواهب.
قامت الحكومة مؤخرا بإقرار نظام الخدمة المدنية الجديد في الأردن، والذي يهدف إلى تحديث وتطوير منظومة الموارد البشرية في القطاع العام. كما ويسعى النظام إلى تعزيز كفاءة وإنتاجية الموظفين من خلال تمكين الدوائر الحكومية من إدارة مواردها البشرية بفعالية ومنحها الصلاحيات اللازمة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية. كما يركز النظام على التخطيط الاستباقي للموارد البشرية، وتعزيز المساءلة والشفافية، وتوفير بيئة عمل جاذبة للكفاءات والمواهب.
كما وتم إلغاء مبدأ الإجازة المفتوحة دون راتب، ومنح الموظفين خارج المملكة مدة لا تزيد على سنتين لتسوية أوضاعهم إما بالاستقالة أو العودة للعمل في وظيفتهم السابقة. وقبل إقرار النظام الجديد، كانت الإجازة دون راتب مفتوحة لموظفي الحكومة بحيث يستطيع الموظف الحصول على إجازة لأي مدة يريدها دون وجود تحديد لها.
ومن بين التعديلات الأخرى التي أدخلت على نظام الخدمة المدنية، هو السماح للمرجع المختص بالتعيين بإنهاء خدمة الموظف الخاضع لقانون الضمان الاجتماعي بناءً على طلبه أو دون طلبه إذا استكمل شروط الحصول على التقاعد المبكر.
على الصعيد الأوروبي، تشكل نسبة موظفي القطاع العام حوالي 20% من إجمالي العاملين، وفقًا لبيانات العديد من المصادر (European Commission). هذه النسبة تختلف بين الدول، حيث تتميز دول مثل النرويج وفنلندا والسويد بنسب مرتفعة من التوظيف في القطاع العام، تصل إلى حوالي 25-30% من إجمالي القوة العاملة.
في ذات السياق، يبلغ متوسط نسبة التوظيف في القطاع العام في الدول الأوروبية الأخرى مثل ألمانيا وإيطاليا حوالي 15-18%. وتتأثر هذه النسب بعدة عوامل، مثل سياسات الدولة الاقتصادية والاجتماعية، والاحتياجات المختلفة للخدمات العامة، ومستويات الأتمتة والرقمنة في تلك الدول.
الاعتماد على القطاع العام في التوظيف يمكن أن يوفر استقرارًا وظيفيًا وفرصًا متنوعة، ولكن تعتبر أوروبا ان التركيز على تحفيز القطاع الخاص يعد أمرًا حيويًا لتحقيق نمو اقتصادي مستدام وتوفير فرص عمل متنوعة ومتجددة.
أخيرا وكعادتي لابد ان اتناول الموضوع من زاويتي الأردنية حيث يتطرق الى ذهني مشكلة اصلاح القطاع الحكومي وتحفيز القطاع الخاص واسأل نفسي: هل لدينا خطة استراتيجية لتحفيز نمو القطاع الخاص وتقليل الاعتماد على الوظائف الحكومية، مما يؤدي إلى اقتصاد أكثر استدامة وتنوعاً، ويوفر فرص عمل جديدة للشباب والكفاءات؟ لماذا لا يتم تنظيم النقابات واعادتها الى مسارها المهني والاهتمام بالموظف بدلا من الانشغال في العمل الحزبي فقط، خاصة في ظل وجود الأحزاب؟ نعم، نحن بحاجة الى تحديث واصلاح نظام الخدمة المدنية للقطاع العام، لكنه يحتاج إلى متابعة دقيقة لضمان تحقيق الأهداف المرجوة وللتقليل من التحديات في التنفيذ، دون التأثير سلباً على الموظفين. كما ولابد من العمل على خطة لتطوير مهارات موظفي القطاع العام، مما يساهم في رفع الإنتاجية والكفاءة، بما ينسجم مع توجهات خارطة تحديث واتمتة القطاع العام التي ترتكز على تقديم خدمات حكومية محورها المواطن. وفي نفس الوقت لابد من العمل على تطوير القطاع الخاص لتحفيز الاستثمارات وزيادة فرص العمل. وكذلك، لابد من تشجيع وظائف القطاع الخاص لتميزها بالمرونة، وسهولة التعيين، وتوفير مهارات أفضل، بالإضافة إلى زيادة التطوير والابتكار مما يساهم في زيادة عدد الشركات الناشئة من قبل الموظفين المهرة. وبالإضافة الى ذلك، لابد من العمل مع النقابات لتحديث وتطوير قانون العمل والعمال، والعمل على زيادة الأمان الوظيفي وضمان حقوق العمال في القطاع الخاص، حيث ان السبب الرئيسي في الاقبال على الوظائف الحكومية هو البحث عن الامان الوظيفي.