الانتقال الكبير: التحصيل الضريبي في الميزان (5)
د. رعد محمود التل
10-08-2024 02:21 PM
تشير وثيقة "الانتقال الكبير" إلى تحقيق زيادة ملحوظة في التحصيل الضريبي بين العامين 1999 و2022، حيث ارتفع الرقم بنحو خمسة أضعاف بالقيمة الجارية. هذا النمو في الإيرادات الضريبية يعكس الجهود المستمرة نحو تحقيق الاعتماد على الذات. فقد ارتفعت مساهمة الإيرادات الضريبية في الإيرادات المحلية من 58.8 % خلال الفترة 1999-2003 إلى 66.9 % في الفترة 2019-2022، مما يمثل زيادة قدرها 13.8 %.
وقد ركزت الإصلاحات الضريبية على تحسين نظام التحصيل الضريبي وضمان توزيع الأعباء بشكل أكثر عدالة. تم تطبيق نسب ضريبية متوازنة تأخذ في الاعتبار القدرة الشرائية للأفراد، وتحسين الإجراءات لتحصيل الضرائب بصورة تصاعدية تراعي الفروقات في الدخل وتعزز العدالة الاجتماعية، وفقاً لما ورد في الوثيقة.
استهدفت الإصلاحات أيضاً معالجة التشوهات والاختلالات الضريبية من خلال مكافحة التهرب الضريبي وتحسين الخدمات الضريبية للمكلفين، بالإضافة إلى رفع كفاءة التدقيق والتفتيش الضريبي باستخدام أفضل الممارسات الدولية. تم توجيه السياسات الضريبية نحو دعم القطاعات الاستراتيجية التي تعزز الابتكار والريادة، وتعزيز القدرة التنافسية للصناعات الوطنية، بهدف تقديم الدعم والحوافز اللازمة للقطاعات التي تسهم بشكل كبير في النمو الاقتصادي والتنمية. ويمكن القول إن الإصلاح الضريبي مر بخمس مراحل رئيسية خلال الفترة 2001-2022، كما تصفها وثيقة "الانتقال الكبير".
المرحلة الأولى: في العام 2001، تم إقرار قانون معدل لضريبة الدخل الذي قلل عدد الشرائح الضريبية وخفض نسبة الشريحة العليا ونسبة ضريبة شركات التأمين والصرافة، بينما أبقى الضرائب على البنوك عند نسبة 35 %.
المرحلة الثانية: في العام 2005، صدر قانون الضريبة المؤقت الذي قلص الشرائح الضريبية إلى شريحتين وخفض نسبة الضريبة على دخل الشريحة الأعلى إلى 20 % بدلاً من 25 %، مع خطط لتخفيضها تدريجياً حتى تصل إلى 15 % بحلول العام 2011.
كما خفض القانون الضرائب على شركات التأمين والصرافة تدريجياً حتى تصل إلى 15 % في العام 2011. تم رفض القانون من قبل مجلس النواب الرابع عشر بداعي عدم دستوريته، وأحاله لمجلس الأعيان الذي رفضه أيضا، مما أدى إلى بطلانه.
المرحلة الثالثة: في العام 2011، أقرت الحكومة قانوناً مؤقتاً تضمن تخفيض ضريبة البنوك إلى 30 %، وتقليص الشرائح الضريبية إلى شريحتين، وخفض نسبة الشريحة العليا إلى 14 %، وإلغاء الإعفاءات العائلية بالكامل. ساوى القانون بين القطاعين الصناعي والتجاري من حيث نسبة الضريبة 14 %، ملغياً بذلك السياسة التفضيلية للصناعة.
المرحلة الرابعة: في العام 2014، قدمت الحكومة مشروع قانون زاد من تصاعدية الشرائح الضريبية من دون إحداث تغيرات كبيرة على ضرائب البنوك والشركات، وأُقرّ القانون وما يزال سارياً.
المرحلة الخامسة: في العام 2018، قدمت الحكومة مشروع تعديلات على قانون الضريبة يتضمن رفع الضرائب على البنوك وشركات التأمين والشركات المالية إلى 40 %، وزيادة الشرائح إلى خمس. نتيجة للرفض الشعبي والإضرابات، استقالت الحكومة، وأُقرّ القانون بعد توسيع الإعفاءات بمقدار 10 آلاف دينار وتخفيض الضريبة على البنوك لتعود إلى %35، بالإضافة إلى 3 % لحساب المساهمة الوطنية، مع تخفيض إعفاءات القطاع الزراعي.
تشير وثيقة "الانتقال الكبير" إلى أن مشكلة التهرب الضريبي ما تزال تشكل أحد أبرز التحديات في إصلاح هيكل الإيرادات الحكومية. وعلى الرغم من صعوبة تحديد حجم التهرب بدقة، فإن دائرة ضريبة الدخل والمبيعات تقدر أنها استطاعت مكافحة التهرب والتجنب الضريبي بنسبة 50 % خلال الفترة 2018-2023.
كما تبرز الوثيقة أن دائرة ضريبة الدخل والمبيعات أجرت إصلاحات هيكلية تعتمد على أفضل الممارسات العالمية، حيث تعد الدائرة أول مؤسسة حكومية في الأردن توظف تقنيات الذكاء الاصطناعي في عملها. تقوم الخوارزميات الذكية بتدقيق الإقرارات الضريبية إلكترونياً، بالإضافة إلى إدخال نظام الفوترة الإلكترونية. وبموجب هذه الإصلاحات، أصبح الأردن أول دولة عربية تعتمد الرقابة الرقمية الإلكترونية في التدقيق الضريبي.
الغد