النهوض بقطاع الشباب .. أولوية ملكية قصوى
د. ضرار غالب العدوان
10-08-2024 01:05 PM
منذ فجر عهده الميمون، وضع جلالة الملك عبدالله الثاني قطاع الشباب في موضع الصدارة من أجندة أولوياته، فأصدر توجيهاته السامية إلى مختلف مؤسسات الدولة بتجنيد كافة الإمكانيات المتاحة وتسخيرها لتفعيل أدواره واستثمار طاقاته، وذلك بهدف النهوض به ليصبح شريكاً فاعلاً في مسيرة البناء والنماء، انطلاقاً من إيمان جلالته الراسخ بأن هذا القطاع الحيوي–والذي يشكل النسبة المئوية الأكبر في مجمل التركيبة السكانية–هو ثروة الوطن الحقيقية ويمثل حجر الزاوية لأية مشروع تنموي نهضوي ناجح، مثلما يمثل–أيضاً–أبرز أدواته وذلك بحكم أن الشباب هم العنصر الأكثر ديناميكية في المجتمع المعاصر، نظراً لما يتمتعون به من قدرات علمية وعملية متنوعة، هذا فضلاً عن تفردهم بأمتلاك المهارات العصرية الحديثة.
وبناءً عليه، يؤمن جلالة الملك بأن قطاع الشباب هو العنصر الأقدر على التفاعل والتعامل مع معطيات ومتغيرات هذا العصر الحداثي المعولم، والذي أصبحت فيه التكنولوجيا–على أختلاف وسائلها–عنصراً أساسياً من عناصر العمل والإنتاج، والأمر الذي يهمنا هو أنها تعتمد بالدرجة الأولى في تشغيلها على الأيدي العاملة المدربة، والتي تتمتع بقدرٍ عالٍ من المهارة الفنية والخبرة العملية والعلمية، والتي تتطلب–أيضاً–تدريباً وتاهيلاً مستمراً، وذلك لمواكبة كل ما يطرأ أو يستجد من تطورات، وبالتالي تتمكن من أداء المهام المطلوبة منها بمنتهى الدقة والأحترافية.
هذا، ويولي جلالة الملك قطاع الشباب عناية خاصة، وأهتماماً متجدداً وموصولاً لا ينقطع، ويتجلى ذلك بوضوح من خلال اشرافه المباشر ورعايته الدائمة لمختلف الأنشطة والفعاليات الشبابية، وتعتبر مشاركة جلالته في أعمال الملتقى الوطني الأول لشباب الأردن–والذي عقد في منطقة البحر الميت في الثلث الأول من عام 2003 ميلادية–مثالاً حياً على ذلك، إذ شارك جموع الشباب والشابات–والذين كانوا يمثلون نخبة مميزة من الطلبة المتفوقين والمبدعين بالجامعات الأردنية–في جلسات العصف الذهني، فاندمج معهم في حوار وطني شامل، مستنهضاً فيهم الهمم والعزائم، ومخاطباً إياهم بلغتهم بعيداً عن الرسمية.
وفي ذلك الملتقى طرح جلالته أمام المختصين وأصحاب القرار رؤيته المستقبلية تجاه النهوض بهذا القطاع الحيوي، والذي يمثل ثلثي المجتمع الأردني تقريباً، وأستمع جلالته لآراء ومقترحات شبابية بهدف الخروج بتصور موحد، لوضع اليد على المفاصل الرئيسة للمشاكل التي تواجه قطاع الشباب، لمعالجتها والقضاء على أسبابها ومسبباتها، وذلك ليكون هذا القطاع رافداً رئيساً من روافد التنمية الوطنية المستدامة بأبعادها المختلفة ومفهومها الواسع.
ويمكن القول أن توصيات الملتقى الوطني الأول والثاني لشباب الأردن كانت بمثابة الخارطة التي حددت معالم الطريق الذي يتعين على راسمي السياسات وصانعي القرارات إتباعه، وذلك للنهوض بهذا القطاع الحيوي، والسير به نحو معارج التطور والتقدم، إذ لم يمض سوى ثلاث أيام على أنقضاء الملتقى الوطني الثاني، حتى وجه جلالة الملك رسالة إلى رئيس الوزراء أوعز فيها إلى الحكومة لإتخاذ كافة الإجراءات والتدابير العملية الكفيلة بتوفير الأطر المؤسسية والتشريعية والتمويلية، والتي تمكن هذا القطاع من القيام بواجباته والنهوض بمسؤولياته على الوجه الأمثل.
وفي إطار السعي الملكي الدؤوب لتمكين الشباب من المشاركة الفعلية في بناء وطنهم وخدمة مجتمعاتهم المحلية، وإيجاد النوافذ التي تدعم إبداعاتهم وتحفيز مشاريعهم الريادية، فقد بعث جلالته رسالة إلى رئيس الوزراء في الخامس من تشرين الأول عام 2006 ميلادية، مطالباً فيها تأسيس «هيئة شباب كلنا الأردن» وذلك لتكون هيئة شبابية مستقلة تعمل على متابعة وتنفيذ برامج العمل والمقترحات التي يتوافق عليها الشباب، وتقوم بالأشراف المباشر على عقد مؤتمر شباب كلنا الأردن دورياً للبناء على الإنجاز.
وقد وجه جلالة الملك بأن توفر هذه الهيئة المنبر المؤسسي الذي يتواصل ويتفاعل من خلاله الشباب في مختلف مواقعهم مع الفعاليات والبرامج الموجهة إليهم في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والتربوية والإعلامية، وتعمل–أيضاً–على توفير الدعم المالي واللوجستي للبرامج والمبادرات الشبابية الرامية إلى تعزيز مشاركتهم وتأهيلهم في مختلف المجالات، وذلك لتأدية دورهم الريادي في الحياة العامة.
ونظراً لما يتمتع به جلالة الملك عبدالله الثاني من حكمة وبعد نظر، فقد أدرك منذ اليوم الأول لتوليه أمانة المسؤولية أن الدول والمجتمعات التي تقدمت وأحدثت طفرات نهضوية هائلة دخلت تقدمها من باب الاستثمار الأمثل لمواردها البشرية، وتحديداً من باب الاستثمار في تعليم الشباب وتأهيلهم، لذلك أصدر توجيهاته السامية إلى الجهات المعنية بتوفير الاستثمارات اللازمة لعصرنة التعليم بمحاوره المتعددة وأبعاده المختلفة.
كما دعا جلالة الملك الجهات المسؤولة عن التعليم إلى احداث تحولات جذرية في بنية النظام التربوي، إذ طالب بإعادة تشكيله من جديد، وذلك كي يتمكن من تخريج أفواج شابة، تواكب روح العصر وتستوعب متطلباته، وتتكيف بمرونة مع متغيراته، وتتفاعل بسهولة مع أحدث التقنيات التكنولوجية، وتستطيع المنافسة بكفاءة وفعالية.
وحتى لا يفوتنا قطار تكنولوجيا المعلومات، فقد أمر جلالة الملك بتعميم مهارات الحاسوب على جميع الطلبة الدارسين في مدارس المملكة وجامعاتها، وتحقيقاً لهذه الرؤية الملكية القويمة، فقد تم إطلاق مشروع التطوير التربوي نحو الاقتصاد المعرفي.
وفي ظل تغير أساليب العمل والإنتاج، دعا جلالة الملك عبدالله الثاني إلى تطوير برامج التدريب المهني والتقني والفني، وتوجيهها نحو التركيز على الجودة والنوعية، والمواءمة بين مخرجات قطاع التعليم العام واحتياجات سوق العمل المتجددة، لذلك أمر جلالته بإنشاء مراكز متخصصة لتدريب الشباب والشابات على مهن محددة في كل محافظة، بحيث تتولى مهمة تدريبهم وتأهيلهم بما ينسجم مع المتطلبات الفعلية لسوق العمل، وعلى نحو يراعي طبيعية النشاط الاستثماري والاقتصادي فيها.
وقد أدرك جلالة الملك بأن الشباب هم وسيلة التنمية وغايتها وقادة المستقبل المنظور، وكونهم احد معاول البناء والتقدم، فإن هذا يعني بالضرورة أن تلك الفئة تحتاج في هذه المرحلة العمرية بالذات إلى الرعاية والتعهد، وذلك إنطلاقاً من أن تنشئة الشباب في هذه المرحلة–قابل للإرشاد والتشكيل والصياغة–وفق الأطر والمضامين التي يرغب المجتمع بغرسها في نفوسهم، وبالتالي هذه الفئة تحتاج إلى مظلة تنظم آلية عملها، وذلك لكي تتمكن من حمل الرسالة الوطنية، والقيام بدورها المنشود على الوجه الأمثل.
وهنا تتجلى حكمة جلالة الملك والذي أمر بفصل شؤون الرياضة عن الشباب، وذلك لقناعة جلالته الأكيدة أن هذه الفئة العمرية الشابة لايستقيم أمرها من دون وجود قيادة أعلى تدير شؤونها، وتتولى مسؤولية رعايتها وتوجيهها وتوعيتها، واكسابها المهارات القيادية اللازمة لتطوير الذات، وتشجيعها على الإنخراط في الحياة السياسية والحزبية، والمشاركة في الإنتخابات النيابية، والسير بها نحو معارج التطور والتقدم.
وأخيراً وليس اخراً، ونحن نخطو أولى خطواتنا في مئوية الدولة الثانية، شكل جلالة الملك لجنة ملكية لتحديث المنظومة السياسية، وقد وجه أعضاءها بالخروج بتوصيات نافذة لكسر حلقة تقييد الطاقات الشبابية وأهدارها، والعمل على استثمار دور قطاع الشباب في استكمال مسيرة البناء والإنجاز، وذلك من خلال خلق مساحة آمنة للمشاركة السياسية المنظمة الإيجابية، وذلك من خلال بناء قدراتهم وصقل مهاراتهم وترسيخ ثقافة العمل التطوعي لديهم، وتوفير بيئة اقتصادية وتنموية مناسبة لمواجهة تحديات مشكلة البطالة، والتي تشكل قيوداً كبيرة على مشاركتهم السياسية الفاعلة، وسن أنظمة وتشريعات تجعل تمكين الشباب والشابات حقاً لهم على الدولة، وبما يعزز من وجودهم في مواقع صنع القرار.
الرأي