قراءة متأنية في نتائج الثانوية العامة
فيصل تايه
10-08-2024 10:39 AM
بعد مخاض مرهق، انفض المولد، وخرجت النتائج وتعالت الزغاريد وعم الفرح ابتهاجاً بنجاح ابنائنا طلبة الثانوية العامة، فدعونا اولاً نبارك لابنائنا الطلبة الذين حالفهم الحظ بالنجاح في يوم زيّنوه بالفرح والسعادة، ونقشوه بالجدِّ والاجتهاد، فكان استحقاقاً طيباً لمثابرتهم وجدهم واجتهادهم، لتكون هذه النتيجة بداية لمرحلة جديدة من عمرهم التكويني، متمنيا من الله عز وجل أن يجعل لهم فيها مستقبلا مشرقا يلبي أهدافهم وتطلعاتهم.
اما وقد انتهى موسم الثانوية العامة هذا العام، بكل ما له وما عليه، وطويت صفحته، لذلك دعونا نقول: من حق الناجح الآن أن "يفرح" ملوحاً بنجاحه، وفي اعتقادي ان أول الناجحين هم كافة العاملين بهذا الفعل الوطني، فلا احد يستطيع ان ينكر ان الموسم كان مليئاً بالتجاذبات والمعوقات والتفاصيل المقلقة التي روجت بطريقة غير معتادة، والتي أرهقت الطلبة واهاليهم على حد سواء، وفي ذلك لا بد من ان نقول ان الكثيرين قد راهنوا على نجاح وزارة التربية والتعليم في تجاوز هذه المرحلة، لكن جوهر الانجاز جاء مع إصرار وعزيمة المخلصين من أبناء تكويننا التربوي العتيد، وفي هذا دعونا نسجل شكرنا وتقديرنا للمساعي الحثيثة والمباركة لطواقم المراقبة والمتابعة والتصحيح والفرز والرصد والاستخراج وكل من ساهم في إنجاح هذا العمل الوطني.
إن ايجابية نتائج امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة لهذا العام مؤشر على موثوقية الإجراءات التي اتخذتها وزارة التربية والتعليم وعلى سلامتها، فقد عكست تلك النتائج النجاح الذي تحقق في إدارة ملف امتحان الثانوية العامة خلال هذه الفترة، فقد تعودنا على آليات عمل وزارة التربية والتعليم واجراءاتها، حيث تقوم باستنفار كافة إمكاناتها في إدارة الامتحانات والاختبارات لتتخذ الخطوات الصائبة في الطريق الصحيح في متابعات جادة تسعى من خلالها إلى إتاحة الوقت الكافي للمراجعة والتدقيق في النتائج لتخرج بالصورة المؤملة النهائية، دونما إرباك او تعثر، فالحمد والشكر لله عزّ وجل.
اما ونحن نقرأ الأن النتائج في سياقاتها الزمانية والظرفية والعلمية، نجدها تشير إلى أن نسبة النجاح المئوية العامة بلغت (٦٣.١%) توزعت على مختلف محافظات المملكة ، ومن الملاحظ ان هذه النسبة هي نسبة جاءت ضمن المعدلات الطبيعية مقارنة بالسنوات السابقة ، اضافة آت نسبة الطلبة الذين حصلوا على معدلات مرتفعة كانت بنسب معقوله ومنطقية وهذا يقع ضمن المنحنى الطبيعي ، مما يؤكد أن الاصرار على النجاح والتفوق هو حظ المجتهدين من الطلبة على اختلاف مستوياتهم العلمية ، لإحساسهم بالمسؤولية وعزمهم وتصميمهم على بلوغ أهدافهم تحقيقا لطموحاتهم برغم التحديات ، فمهما تغيرت آليات الامتحان وصعوبتة وانماطه وتوزيع علاماته سيزيد ذلك من اصراراهم على تحصيل أعلى العلامات ، مع يقينهم الراسخ أن شهادة الدراسة الثانوية العامة هي المفصل في حياتهم والمحدد لمصيرهم ، حيث تأتي في مرحلة حساسة وحرجة من حياتهم التكوينية ، فالأرقام التي صدرت لا تكذب والنسب لا تتجمل ، فقد جاءت الإحصاءات المعلنة من قبل معالي الوزير هذا اليوم لتكون بمثابة إشهار انتصار مشرف .
إننا ونحن نتفحص اليوم نتائج الامتحان لابد أن نلقي عليها نظرة تحليليه ، لتقييم الفترة الماضية التي مررنا بها خاصة في تجربتنا في التعامل مجمل التجاذبات التي حدثت اثناء الامتحان ، كما ولا بد من التحدث عن تعظيم الانجازات والثناء على الجهود الطيبة المباركة التي أعطتها الهيبة والمصداقية والعدل والمساواة وفي نفس الوقت نستطيع تشخيص الجوانب التي تحتاج الى مراجعة ، وبيان نقاط الضعف ، بحيث يمكن التعاطي معها بجدية ومسؤولية ، خاصة عند التريث في مراجعة عناصر واليات عملها ، والعقبات التي ما زالت تعترضها .
اننا اليوم وعند تقييمنا للنتائج نلاحظ ان "مدارس الملك عبدالله الثاني للتميز" تشاركها "المدارس الخاصة" تقاسمتا اوائل المملكة في "الفرع العلمي" وهذا بالتاكيد نتاج تراكم التفوق بالسنوات السابقة ، واهتمام واضح من ادارات تلك المدرسة ودور الاسر الفاعل ، اضافة الى عامل الانضباط والالتزام من قبل ادارات تلك المدارس خاصة مدارس الملك عبدالله للتميز ، وفي ذلك دعوني اوجه تحيه عميقة الى تلك الإدارات ، فهم يستحقون الشكر والثناء ، اذا ان ذلك ينطبق ايضاً على المدارس الخاصة التي تقدم تعليماً نوعيا عالي المستوى ، وتقديم نماذج مميزة من الطلبة المتفوقين .
بالمقابل فان المؤشرات تدل على "التراجع" الواضح في اداء الكثير من المدارس الحكومية في مختلف مناطق المملكة من خلال "نتائج الطلبة" خاصة "مدارس الذكور" ، تلك "المدارس التاريخية المعروفة" والتي كانت لها سمعتها التعليمية الطيبه على مدى تاريخ هذا البلد ، وهذا يعود -كما هو معلوم- لضعف الادارات المدرسية وعدم ضبط عملية غياب الطلبة وانتظامهم في الدوام المدرسي بسبب اعتماد اكثرهم وبصورة "واضحة" لا يمكن التغاضي عنها أو نكرانها على الدروس الخصوصية، والمراكز والمنصات والبطاقات المدفوعة مسبقاً ، ناهيك عن الضعف الواضح في اداء "بعض" المعلمين داخل الغرفة الصفية خاصة "متكسبي" الدروس الخصوصية ، وهذا "بالطبع" مؤشر سلبي لمستقبل مدرسنا الحكومية في المرحلة الثانوية ، لهذا فمن الضرورة بمكان مراجعة اداء تلك المدارس وتقييم وضعها التعليمي والأخذ الجاد بتقارير وحدة المساءله وضبط جودة التعليم ومتابعة ملاحظاتها ومنحها المزيد من الصلاحيات ، وتفعيل حقيقي لدور الاسناد التربوي "الغائب" عن المشهد وهذا يستدعي سرعة اتخاذ اجراءات تعيد الاعتبار للعملية التعليمية وكافة المتداخلين فيها على حد سواء .
اننا ونحن نقرأ اليوم هذه النتائج ، فإننا بحاجة للتاكيد على مضمون الامتحان بعيدا عن التركيز على الجانب التحصيلي والتذكري الفكري بل وعلى القدرات والكفايات التي يجب ان تركز على المهارات بقياس الذكاءات العشر ، وكذلك الحديث عن الاتجاهات السلبية عند بعض من طلبتنا والتي توجههم نحو السير للممارسات والأساليب الدراسية الخاطئة باعتماد المنصات والبطاقات والمراكز الربحية .
وأخيراً .. دعوني اجدد تهنئتي لطلبتنا الأعزاء الذين فرحوا بالنجاح وأدعو للذين لم يحالفهم الحظ مراجعة حساباتهم مع أنفسهم وتخطي هذه المرحلة بمزيد من العزم والإصرار ، متمنيا ان تخوضوا تجربة التكميلي القادمة لتكون أسماؤكم في كشوفات الناجحين باذن الله .
أعاننا الله جميعا على تحمل المسؤولية