هل تقايض إيران ردها بوقف حرب غزة؟
عمر الرداد
10-08-2024 09:50 AM
خلافا للهجوم الايراني على اسرائيل عبر الصواريخ والمسيرات، في أوائل نيسان الماضي، ردا على اغتيال اسرائيل قادة من الحرس الثوري الايراني في مبنى القنصلية الايرانية بدمشق، فقد تاخر الرد الايراني ومعه رد حزب الله وبقية فصائل محور المقاومة، بشكل فردي او جماعي ومنسق، على اغتيال زعيم حركة حماس الاول في طهران" اسماعيل هنية، والقيادي الموصوف بأنه رئيس اركان قوات حزب الله "فؤاد شكر" في بيروت، وبالتزامن مع ذلك جاء الإعلان المشترك لدول الوساطة في مفاوضات صفقة الرهائن بين اسرائيل وحماس "امريكا، مصر وقطر" عن نيتها استئناف مفاوضات الصفقة، مترافقة باشاعة آمال مكررة حول امكانية تنفيذ الاتفاق الاطاري الذي تم انجازه في باريس قبل اشهر، فيما تحولت طهران الى محج لزيارات واتصالات من قبل قوى اقليمية ودولية، تطلب منها ممارسة ضبط النفس، وعدم التوسع في الرد على اسرائيل، تحسبا من حرب اقليمية موسعة في المنطقة.
مؤكد ان تأخر الرد الايراني، والذي عبرت عنه تصريحات ايرانية وفي خطاب زعيم حزب الله الاخير، يؤكد انه قرار سياسي وعسكري، فعلى الصعيد السياسي، هناك مفاوضات تجري بين طهران وأمريكا والدول الغربية مباشرة وبوساطة بعض الدول العربية، هدفها عقد صفقات تحدد حجم الضربة ومستواها واهدافها، وربما تأخيرها أو إلغائها، ومن المؤكد ان القيادة الايرانية تفاوض هنا بقضايا خارجة عن مفاهيم "رد الاعتبار والشرف" تتركز حول العقوبات الاقتصادية وضمانات خاصة بأمن النظام الايراني، إضافة لقضايا أخرى خلافية مع الغرب بخصوص برنامجها النووي والصاروخي، وهو ما اكدته تهديدات امريكية بان الرد على ضربة إيرانية موسعة ضد إسرائيل ستعني "تدمير الاقتصاد الإيراني".
أما من الناحية العسكرية، فالتأخير يعكس أزمة ايرانية وحسابات دقيقة بين وعودها بالرد والثار، والتراجع بعد ايام بتأكيد "احتفاظها بالرد في الزمان والمكان المناسبين" فمن جهة لم تحدد القيادة الايرانية الأهداف وحجم الرد، ولا طبيعة الأهداف فيما إذا كانت عسكرية أو مدنية أو بنى تحتية، كما انها تحسب حسابا للرد الاسرائيلي والذي تؤكد تصريحات اسرائيلية انه سيكون أضعاف حجم الضربة الايرانية، فيما يشكل الدعم الامريكي لاسرائيل وارسال بوارج وحاملات طائرات مجددا إلى المنطقة عامل ضغط على القرار العسكري الإيراني.
وبالتزامن مع مفاوضات مكثفة مع إيران، صدر بيان الوسطاء الذي يؤكد على استئناف مفاوضات صفقة تبادل الاسرى ووقف إطلاق النار في غزة، مقابل التزام إيران وحزب الله بعدم الرد على الاغتيالات، ونشرت تسريبات جديدة تتضمن توجيهات من السنوار لكل من "خليل الحية وغازي حمد" لقيادة المفاوضات، وانجاز اتفاق الصفقة، ويبدو ان القيادة الايرانية تذهب باتجاه بتأجيل هجماتها المرتقبة على إسرائيل لمنح فرصة لامكانية إبرام اتفاق وقف إطلاق النار"، رغم ان احتمالات نجاح هذه المبادرة غير مؤكدة، بسبب سياسات رئيس الحكومة الإسرائيلية "نتنياهو" واليمين المتطرف في حكومته، الذي يخطط لمواصلة الحرب حتى تتغير الأوضاع والرأي العام داخل إسرائيل لمصلحته، وهو ما أكدته استطلاعات اسرائيلية جديدة، باستمرار حصوله على الاغلبية بين الاسرائيليين، في ظل شيوع مفاهيم الانتقام لدى نسبة من الإسرائيلين.
ورغم ان هذه المقاربة "المقايضة" تحقق الكثير من أهداف طهران، بما فيها تجنب رد الفعل الاسرائيلي الامريكي على ضربتها الموعودة، الى جانب أهداف اخرى مرتبطة بتخفيف العقوبات الاقتصادية عليها، وربما ضمانات بعدم التعرض للنظام والعمل على اسقاطه، وتجنب ضرب أذرعها في المنطقة بما يقلل من تأثيرها ودورها الاقليمي، فانها وبعد اختيار السنوار حققت انجازا بضمان ولاء قيادة حماس وجناحها العسكري في قطاع غزة لها، وفي حال إنجاز الصفقة ستظهر بصورة القادر على "كبح" جماح اسرائيل، لكن ورغم كل ذلك فان انعدام الثقة بين إيران وخصومها وخاصة امريكا، سيكون احد عقبات تنفيذ المقايضة، لا سيما وأن طهران قد ترى في الموافقة على المقايضة "خدعة" امريكية، تريد من ورائها اتهام إيران وقيادة حماس الجديدة بإفشال التوصل إلى صفقة، إذ من المؤكد ان أية صفقة لن تتضمن جديدا، وفي احسن الاحوال ستكون هدنة مؤقتة، توقف "الأعمال العدائية" ولا تصل لاتفاق بوقف الحرب، كما ان التوصل لصفقة بهذا التوقيت سيطرح تساؤلات على السنوار حول أهداف الحرب، ولماذا أنجزت بعد غياب "هنية"؟.
وفي الخلاصة، ورغم الاحتمالات التي تؤيد امكانية التوصل لهذه المقايضة، بما في ذلك الدعم الأمريكي اللامحدود، والذي وصل حدود الاعلان عن امكانية انضمام وفد حماس "بصورة مباشرة" للمفاوضات القادمة، إلا أنها تبقى غير مؤكدة، وهو ما يفسر التصريحات الاسرائيلية والامريكية التي تؤكد على مفاوضات الصفقة، وتحذر ايران من عواقب أي رد واسع، فيما تمارس طهران السياسة نفسها باستمرار إرسال التهديدات بالرد والانتقام، مع إعطاء فرصة للمفاوضات والاتصالات الدبلوماسية، وامكانية عقد صفقات، وفي النهاية سيبقى موقف نتنياهو وحساباته الخاصة المعيار الأول والأخير في قبول أو رفض "المقايضة".
* خبير امن استراتيجي