حلت، أمس، ذكرى رحيل قامة أدبية فكرية وطنية فلسطينية عريية عالمية خالدة، قدمت أروع القصائد في حب فلسطين وتخليد نضال شعبه التاريخي نحو الحرية والاستقلال، وهي آتية لا محالة مهما عصفت الريح وتاهت الأولويات وطال الزمن.
محمود درويش لم يكن شاعرا تغنى بحب وطنه فحسب، بل مناضلا بالفكر والقلم، سخر حياته دفاعا عن حقوق شعب هو من بين الأكثر صمودا وبطولة وعشقا للحرية بين شعوب العالم في التاريخ الحديث، حتى لقب بـ"شاعر فلسطين".
لو أنك بيننا وغزة تحترق لحرقت قلوب بني صهيون بأروع القصائد دفاعا عنها. ولو أنك بيننا، يا ابن الجليل، لتدفق الدم الحر في عروقك وكتبت ما يفوق سحرا خالدتك "سجل أنا عربي"، وأيقونتك "أحن إلى خبز أمي".
تطل ذكرى رحيلك، يا صاحب أوراق الزيتون، والحرب الإسرائيلية الوحشية الجبانة الخسيسة القذرة على غزة المؤمنة الصامدة الصابرة المحتسبة، يفصلها شهر لتتم عامها الأول. تطل ذكراك، يا كاتب وثيقة الاستقلال الفلسطيني، وقد أصبحت قضية وطنك العادلة مصدر إلهام الملايين حول العالم.
وتجسيدا لما قلته يوما: "على هذه الأرض ما يستحق الحياة"، رغم ما عانيته من اعتقال وتنكيل في حياتك من قتلة الأنبياء، فإن شعبك مستمر في النضال، ولن تصمت قلوبهم وعقولهم حتى تتحقق عدالة السماء، ولو بعد حين. "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ".
يا صديق المفكر الفلسطيني العالمي، صاحب رائعتي "الاستشراق" و"الثقافة والإمبريالية"، إدوارد سعيد، أنت وهو وثالثكم، شهيد الكلمة الصادقة غسان كنفاني، صاحب أرض البرتقال الحزين، من سيبقون أيقونة الولادة الفلسطينية إلى العالم بما قدمتم من فكر وثقافة وعلم أسهب النقاد في سبر أغوارها.
درويش، أنت الغائب الحاضر، والمنارة التي لا تنطفئ لشحذ همم كل محب مؤمن مدافع عن العدالة الإنسانية. لك الشكر بخلوده على ما قدمته في حلك وترحالك، وستبقى أبد الدهر ملهم الأحرار على هذه الأرض، مرددين بحناجر صادعة بالحق: "أنا الأرض. يا أيّها العابرون على الأرض فى صحوها... لن تمرّوا... لن تمرّوا... لن تمرّوا".
الغد