المباركة والتحلية المعنى والوظيفة ..
د. صبري ربيحات
09-08-2024 03:55 PM
"بدي الحلوان" او " فلان بحلي " او "مبروك بدها حلوان" أقوال نسمعها في مناسبات الفرح واحتفالات النجاح وتحقيق الانجازات.
التحلية التي نتحدث عنها هنا تختلف عن ال Dessert التي نتناولها في المطاعم بعد وجبات الغداء او العشاء .فهذه جزء من المطابخ الاوروبية ولا انعكاس لها إلا على عدد السعرات التي نكدسها وفاتورة الحساب.
نتحدث هنا عن التحلية او الحلوى التي تقدم بمناسبات مثل الخطبة والزواج والولادة والنجاح والترقية والطهور وشراء البيت والسيارة والفوز بالانتخابات والمسابقات وتحقيق النصر في الحروب والعودة من الحج والعمرة والتعيين في وظيفة جديدة وكل المناسبات التي تسعد اصحابها فتستحق المباركة وتستدعي التحلية.
تقدم الحلوى لتطييب النفوس وفرج الاسارير وطرد مشاعر الغيرة او الحسد واستبعاد الطاقة السلبية من المحيط...
في غالبية الاحوال يفرح الناس لبعضهم البعض وينزع الجميع لمشاركة اصحاب الفرح افراحهم ولأن الحلوى تغير المزاج يؤدي تقديمها وتناولها الى تخليص بعض النفوس من بعض مشاعر الحسد والغيرة والتوتر وكل ما قد يتولد من مشاعر سلبية بفعل المقارنة خصوصا لدى البعض الاقل نجاحا واقل انجازات.
في الكثير من مناسباتنا الاجتماعية يستهجن البعض إقامة القرا او الحفلات الكبرى او الجاهات التي يصل اعداد من يشاركوا فيها الى المئات...صحيح ان بعض هذه الممارسات اصبح تفاخريا وافقد الفعاليات معناها الأصلي.. لكنها في حقيقة الامر تحمل وظيفة وغاية مهمة عندما كانت تتم في البيئة المحلية فهي بمثابة استفتاء مجتمعي هلى تقبل التغير في الادوار والمكانات ودعوة للقبول من خلال المباركة .
المباركة ليست لفظا روتينيا ولا كلام عابر بل هي حكم يقوم به الفرد " العضو في المجتمع المحلي" يشير الى انه يقبل بالدور الجديد للفرد او الافراد كزوج او كخطيب او كنائب او كخريج وانه يدعم ويؤيد قيام الفرد صاحب المباركة بأداءه لادواره الجديدة
في كل هذه الحالات تتم المباركة في أجواء إيجابية يساهم القرا او الكنافة او الشوكلاته في تحسين شروطها.
قد يكون الاحتفال المفتوح مناسبة للتعرف على من يبارك ما حدث او يتخذ منه موقفا مناوئا. فقد يكون لدى الاشخاص الذين يتغيبون عن هذه مناسبات الفرح ولا يبدون اعذارا مقنعة مشاعر غير إيجابية من الأطراف ذات العلاقة بالمناسبة وقد يشكل ذلك مناسبة للعتب او الاصلاح.
القهوة العربية الجاهزة في بيوت اهلنا وبالرغم من مرارتها الا أنها وجدت لشحن التواصل بين الضيوف ومستقبليهم بالايجابية والحماس.. فكمية ما يسكب من القهوة في فنجان بحجم القلب اقل بكثير من عبارات الترحيب وايماءات الاحتفاء وطقطقة الفناجين التي تشغل فضاء الاستقبال.
منذ ان كنت طفلا كان والدي يقول لنا ان من غير المقبول ولا اللائق ان يدخل أحدا بيتا ولا ياكل او يشرب فيه وعندما سألت ذات مرة وجدت الإجابة على لسان صديقي عالم الاجتماع التونسي الشهير عندما قال لي ان العرب يخشون الحسد والطاقة السلبية التي تشع من عيون الحاسدين..
يومها كنت وهو في دمشق عام ١٩٩٠ وقد قال لي اتعلم ان الأثرياء من المغاربة لا ينهون واجهات بيوتهم ويتركون جزءا مهما في واجهتها الامامية.. يومها استغربت فاجاب هناك لا تشعر بثراء اهل البيت الا وانت في الداخل وهم يقدمون لك الطعام او الشراب الذي يبدو طاقتك السلبية.
اعرف العشرات من الاصدقاء الذين يحرصون على تقديم ااشراب او ااطعام لكل من يدخل بيوتهم حتى وان جاء لدقائق لإصلاح بعض الأعطال وhرى في ذلك حكمة وراحة لا يعرفها إلا من التزم بها.. المباركة او الرضا يعني تحييد مشاعر الحسد وتمني زوال النعم.
مبروك لكل الذين نجحوا.. فلتكن التحلية تينا وعنبا وصبرا فليس من الضروري ان نأتي بأشياء من السوق ولدينا هذه النعم.