بنظرة ازدراء .. قد نوقفهم ..
محمود الدباس - ابو الليث
09-08-2024 12:11 AM
في ليلة ازدانت فيها الأجواء بأصوات الدحية.. والوجوه منشرحة بالفرح.. كان الكل يغني ويرقص على وقع السحجة.. تلك اللحظات التي تملأ القلوب بالبهجة.. وتجعل من الزمان محطة للذكرى..
وسط هذا المشهد المليء بالسعادة.. خرج شخص من بين الجموع.. يرفع مسدسه عالياً.. معتزماُ أن يضيف على الفرح صوت الرصاص.. كان ذلك المشهد يحمل في طياته تناقضاً صارخاً بين الفرح والخطر.. وبين البهجة والتهديد..
لكن صديقي -صاحب الفرح- لم يقف مكتوف اليدين.. لم يكن مستعداُ لأن يسمح لرصاصة طائشة.. أن تقتل فرحة صنعها بحب وحرص.. وبصرامة تليق برجل مسؤول.. وبصوت يعبر عن وعيه بما يحيط به من مخاطر.. نادى على ذلك الشخص ليوقفه عند حده.. قالها بوضوح.. "إما أن تنزل سلاحك.. وإما أن تغادر.. فلا مكان هنا لمن يطلق النار".. فكانت تلك الكلمات كافية لأن ينزل الرجل مسدسه ويغادر.. وتنبيها لكل من ينوي ذات الفِعلة.. بينما بقيت الأجواء نقية كما كانت..
لطالما كان إطلاق العيارات النارية في الأفراح تقليداً قديماً.. اعتبره البعض رمزاُ للفروسية.. ومظهراُ للتباهي أمام الحضور.. وخاصة النساء اللاتي كنّ يطلقن الزغاريد تأييداُ..
في الماضي.. كانت المساحات واسعة.. والناس قليلون.. وكان لهذه العادة سياقها ومكانها.. لكن الزمن تغير.. وأصبحت المدن مكتظة بالناس.. والرصاص الطائش الذي كان ينطلق في الهواء.. أصبح يعود ليخترق أجساد الأبرياء.. ليحول الفرح إلى مأساة..
اليوم.. تلك العادة التي كانت يوماً ما تعبيراً عن القوة والبهجة.. باتت عبئاً خطيراً.. تحمل في طياتها إمكانيات الدمار والألم.. وكم من روح بريئة سقطت.. نتيجة لرصاصة لا تعرف الرحمة؟!.. فكم من طفل فقد حياته أو أصيب بسبب لحظة تهور؟!.. وكم من الممتلكات تأثرت جراء هذا التصرف الأرعن؟!..
وفي السنوات الأخيرة.. صدرت القوانين الصارمة التي تجرم هذه الممارسات.. وأخذ جلالة الملك على عاتقه التأكيد على ضرورة تطبيقها.. بل ووصل الأمر إلى القول بأنه حتى لو كان ابنه من أطلق النار.. فيجب أن يُعتقل.. لكن تطبيق القوانين وحده لا يكفي.. يجب أن يتحمل صاحب الفرح مسؤولية ما يحدث في محيطه.. فإن لم يبلغ عن مطلق العيارات النارية.. وجب توقيفه ليكون عبرة للآخرين.. لأن السماح بهذا الفعل.. يجعل منه شريكاً في الجريمة.. ولا يعفيه القول.. بأنه لم يكن يعلم أو لم يكن مسؤولاُ..
المجتمع بأسره بحاجة إلى إعادة النظر في تقاليده وممارساته.. علينا أن نتعلم كيف نفرح دون أن نحول الفرح إلى مصدر للألم والخسارة.. فالفرح الحقيقي.. هو الذي لا يخلف وراءه جرحاُ ولا دمار.. ولا يبني سعادته على حساب دموع الآخرين..
وعلينا ان نعي.. بأن تحمل المسؤولية هو أول خطوات التغيير.. سواء كان ذلك من خلال تطبيق القانون.. أو من خلال تغيير النظرة المجتمعية لهذه العادة القاتلة..