غادرت الدكتورة (ميرفت مهيرات) موقعها في أمانة عمان، كمساعد للشؤون الصحية والزراعية، ومغادرتها كانت استحقاقا وظيفيا بحكم سنوات الخدمة، وضرورات التغيير..
أنا أعرف أني لا أكتب عن وزير، ولا أكتب عن قائد عسكري..ولا أكتب عن رجل صنع تاريخا على مستوى أمة، ولكني أكتب عن (بنت عبادية) ساهمت في فترة ما بوضع لمستها على التشريعات والقوانين وتطوير المؤسسة..أمضت أكثر من (25) سنة من خدمتها في الميدان، وجاءت من قرى البلقاء البسيطة، حيث الناس هناك رصيدهم في الحياة هو: الأنوف الشم..وزادهم في العمر هو: عزة النفس.
عشرات الألوف من الموظفين في أمانة عمان، يعرفون د. ميرفت...يعرفون اللجان التي شكلتها، والجولات التي كانت تخوضها كل صباح، يعرفون كيف خففت على الناس..كيف فهمت الأبعاد الإجتماعية، كيف تعاطت مع مناطق عمان بحسب الدخل وبحسب النشاط التجاري، وكيف فعلت قوانين الصحة...وأنتجت كادرا رشيقا متميزا...يعرفون أيضا صرامتها وقوتها وقدرتها على اتخاذ القرار، والأهم أنها في عملها لم تكن تمارس العقاب على المخالف أو المتجاوز بقدر ما مارست الإصلاح.
تلك البنت لم تتخرج من مؤسسات (الأن جي أوز)، هي أيضا لم تتعاط مع وصفات السفارات وشروط المنح والمساعدات...لم تجلس في الفنادق الضخمة حيث مؤتمرات الثرثرة، ولم تمارس فن الخطابة في مؤتمرات المنظمات المانحة...كل ما كانت تفعله هو أن تفيق في الصباح الباكر، وتبدأ بجولاتها على عمان...هي تعرفها مثل كفها تعرفها من صالحية العابد وحتى صويلح..ومن الجويدة حتى طبربور...وتعرف الناس، وتعرف الوجوه..وكل يوم كانت تسمع في أذنها ألف دعاء لها بالتوفيق والفلاح، لأنها ساعدت القطاعات التجارية وتجاوبت مع الشكاوى.
الدولة يجب أن تنتبه لهذه الحالات، يجب أن تقرأ تمكين المرأة ومفهوم المشاركة عبر (ميرفت مهيرات)..هي أصلا كانت تمكن المؤسسة وتعطيها القوة، ولم تكن تحتاج لتمكين من أحد..تمكينها كان علمها وعزمها الذي كان مستمدا من العشيرة، ومن التزامها ومن أسرتها...ومن حب الناس لها ودعواتهم.
ميرفت ومن هن مثل ميرفت، يحتجن لقراءة مهمة من الدولة..حتى نعرف أن الأردنيات، لهن بصمات مهمة وخطيرة في سلك البيروقراط..وحتى نعرف أيضا أن المناصب العليا في الدولة...حين تقدم للنساء لا تقدم في إطار (الإكسسوار) بل في إطار التفاني والعقل والقوة والإخلاص في الوظيفة....
(30) عاما في الوظيفة العامة ورصيدها: الأنوف الشم....ومسارها: عزة النفس..
الرأي