بين طارق بن زياد ومحمد بن راشد: رؤية بين الماضي والمستقبل
د. محمد موسى ملكاوي
07-08-2024 02:33 PM
بينما كنت أقود سيارتي في شوارع إسبانيا، جذبتني لافتات الشوارع المكتوب عليها "الأندلس"، وكم شعرت بالفخر وأنا أقرأها!! شعورٌ بالفخر العميق والاعتزاز.
قطعت بسيارتي مسافاتٍ طويلة، وعلى طول الطريق كنت أتذكر طارق بن زياد.. ومن منا لا يعرف مقولته الشهيرة: "العدو من أمامكم والبحر من خلفكم"؟!
من فرط فخري.. تمنيت لو كنت أتكلم الإسبانية، لأركن سيارتي وأنزل لأحدّث الإسبان عنه وعن خطبته الشهيرة، وكيف دخل الأندلس.
حقيقةً... إن الروايات حول أصل طارق بن زياد ليست واحدة؛ واختلف الراوة هل هو أمازيغي أم عربي، عبداً كان أم لا، وما علاقته بموسى بن نصير، وهل النصر كان لطارق أم لموسى بن نصير، وكيف مات، هل أعدمه حاكم الأمويين أم أنه همش؟!
تساؤلات كثيرة دارت حول هذه الشخصية، ولكن الشيء الذي لا يمكن الاختلاف فيه، هو أنّ مقولته "البحر من ورائكم والعدو من أمامكم" عاشت ما يزيد على 1500 عاماً، وكلما ضاقت بنا الدنيا أو تملّكنا اليأس والإحباط.. أو فقدنا الأمل وشعرنا أن النهاية محتومة ولا خيار أمامنا ... فإننا نستذكر طارق بن زياد ومقولته.
المعارك هي : قتل، دماء، انتصار وخسران.. وآلام.
ونحن نقف أمام العالم بتاريخ من معارك لننتصر لحاضرنا. ولكن لماذا؟!
لماذا نستذكر بطولاتنا بالمعارك فقط؟
إلى الأندلس نعود...
في مسار العودة جوّاً من الأندلس إلى دبي.. أتذكّر أنّ قائد الطائرة تحدث باللغة العربية للمسافرين عن بدء الهبوط التدريجي لمطار دبي الدولي وأنّ الطائرة دخلت حدود دولة الإمارات.
ومن ثم تحدّث باللغة الإسبانية وأعتقد أنه تحدث نفس الكلمات... حينها رأيت عشرات المسافرين يقفون ويتزاحمون على نوافذ الطائرة لينظروا إلى دبي من السماء: شوارعها، أبراجها، أضواء سياراتها التي تنتظم في صفوف متناغمة، ولم يهتموا للهبوط التدريجي ومخاطر مطباته الهوائية، ولم يهتموا للحزام.
حدقت بهم، وكيف وقفوا ليشاهدوا دبي من السماء، وتناسوا خطر الهبوط التدريجي، وحاولت أن أفكّر بأحلامهم وخططهم في دبي. ماذا سوف يصنعون غداً وكيف أذهلتهم دبي؟.
عاد الفخر ليتملّكني مجدداً .. حين رأيت الإسبان يحدّقون من نوافذ الطائرة.. مذهولين بجمال دبي.. عادةً ينظر الأشخاص للأعلى مبهورين بجمال السماء ونجومها وكواكبها .. واليوم وهم في أعالي السماء.. ينظروه للأرض لأن عليها تحفة مذهلة هي " دبي"..
فخور بأنّهم يصطفون ليراقبوا عظمة بلاد عربية فريدة.. بينما أنا أغلقت نافذة الطائرة عندما حلقت فوق إسبانيا؟!
محمد بن راشد لم يبنِ أساطيلاً ولم يحمل سيفاً يوماً، محمد بن راشد إنسان تحرى حاجاتنا، وبنى مدينة تسحرنا، وجعلها حلماً لكل سكان الأرض ليزوروها.
محمد بن راشد لم يقل "البحر من خلفكم والعدو من أمامكم" ولكنه قال:" لن نعيش مئات السنين، ولكن يمكن أن نبدع شيئاً يستمر لمئات السنين".
اهتم باحتياجات المواطنين وباحتياجات سكان دبي وسخّر الموارد لتخدمهم، وألقى بالبيروقراطية جانباً لأن البيروقراطية تعظّم دور الحكومات بدون فائدة. بحث عما يحتاجه المواطن والمقيم والسائح، طوّر دبي لتكون مدينة جاذبة، تمشي بها الساعة 2 ليلاً وأنت تاركاً هاتفك المحمول على طاولة مطعم أو مقهى وآخر ما تفكر به أن يُسرق.
وعندما تصحو صباحاً وأنت مستلقٍ على سريرك تفتح هاتفك المحمول الذي لم يسرق مساءً، تنجز كل معاملاتك. وعندما تغادر هذه الدولة تجعلك تعود لها فلا تجد رجلاً أو امرأة يلبس زي شرطي في مطاراتها، فتتساءل كيف لهذه المدينة أن تكون آمنة بدون رجل شرطة؟
تدخن سيجارة وتلقيها على الرصيف وتتركها، ومن ثم تعود لتحملها وتلقيها في أول حاوية قمامة. لا يوجد شرطي يراقبك ولن يحاسبوك إن تركتها!.
دبي بُنيت على فكر محمد بن راشد ... فكرٌ لا يقوم على الخوف، فكرٌ يحفّز فينا رد الجميل. محمد بن راشد بنى مفهومًا جديدًا للرقابة الذاتية بدون عقوبات.
محمد بن راشد حقيقة أعطى لهذا العالم علماً وفكراً وطبّقه على نفسه وعلى إمارته ولم يحمل سيفاً يوماً ولم يفكر بالقتال يوماً.
دبي نموذج عالمي بامتياز ... هل ننتظر 1500 سنة لنحتفي بدبي ومحمد بن راشد؟!.
محمد بن راشد نموذج عالمي يقود توجهات الحكومة.. أفلا تتفكرون ..
الدكتور محمد ملكاوي/ مستشار قانوني .