بعد حادثة اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس في العاصمة الايرانية طهران، تعيش المنطقة لحظات من التحسب والترقب بانتظار توجيه إيران لضربة جزاء مستحقة لإسرائيل نتيجة الفعلة الجرمية التي اقترفتها بحادثة الاغتيال، وهذا ما استدعى من إيران القيام بسياسة إعادة التموضع العسكري بالاستعداد الميداني في تمركز هجومي وآخر دفاعي، وتفتح الباب أمام مفاوضات تقوم على وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الاسرائيلية من كامل قطاع غزة وفق خطة العمل التي عُرفت بخطة بايدن، والمكونة من ثلاث مراحل متصلة لا يجوز لطرف عند الدخول في مراحل تنفيذها العودة لإطلاق النار من جديد، وهي الفاصلة التي تجد اعتراض من نتنياهو الذي يُعتبر شخصية جدلية تفاوض دائما على كل معترك بما في ذلك على ايقاع الضربة.
وهو ما جعل من هذه الفترة التي تسبق الرد الإيراني على الاغتيال فترة تحمل من الاستعدادات الميدانية كما ميادين تفاوضية تقوم بصورة مركزية على فاصلة ضمان عدم العودة لإطلاق النار والانسحاب الكامل من القطاع وعودة تدفق المساعدات وبيان برنامج الاعمار، و هي الموضوعات التي من شأنها أن تعيد الحالة في قطاع غزة على ما كانت عليه من ظروف معيشية وهذا ما يجعل من درجة التفاوض تتجه صوب مقدار الضربة التي أصبحت مقرونة بالوصول الى صفقة تنهي معاناة قطاع غزة.
وهذا ما يمكن رؤيته بظروف اختيار يحيى السنوار رئيسا للمكتب السياسي لحماس، الأمر الذي يعني بالمحصلة انتقال المفاوضات من مضمون مناورات خارجية كانت تستهدف الشكل وليس المضمون، وهو ما جعلها تكون بلا ثمرة لم تعط اية استحقاق الى مفاوضات ميدانية تقرن الجانب السياسي في المعادلة من الناحية الميدانية، ليكون ذلك كله في المحصلة أرضية العمل التنفيذية بهدف الوصول لتفاهمات "تفيد كيفية توجيه الضربة كما تفيد إليه وقف إطلاق النار".
وهذا ما جعل هذه الفترة تحوي الكثير من المفاوضات غير المعلنة للوقوف على الفواصل والفاصلة وكيفية تنفيذ تفاصيل العمل الاجرائية التي تربط المرجعيات الميدانية بالدبلوماسية السياسية، وهو ذات العنوان الذي جسده اختيار السنوار رئيسا للمكتب السياسي الذي راح ليحصن السنوار دبلوماسيا، وهو ما جعل من الوزير بلينكن يرحب باختيار يحيى السنوار بطريقة متحفظة ويقرن اختيار السنوار بطبيعة المرحلة القادمة التي إن لم تنتهِ بمعادلة "الضربة والصفقة" فإن نتائجها ستكون صعبة على المنطقة وشعوبها كما على كل الأطراف المتداخلة كما المتشابكة التي أصبحت متعددة وعديدة بعد دخول أمريكا وروسيا بشكل علني بزخم كبير.
وهو ما جعل من معادلة المنطقة تكون على مفترق طرق بين فاصلة الصفقة ومفصل حرب إقليمية، لتكون هذه المعركة بين قوتين نوويتين لم تعلن أي منهما عن امتلاك السلاح الاستراتيجي، لكن من طبيعة التحركات العسكرية التي تمت يبدو أن كلا من الطرفين يمتلكه كما يمتلك أجيال من الأسلحة غير التقليدية التي تدخل فيها أجيال جديدة من الذكاء الاصطناعي.
وهو الخيار الذي لا تريده جميع الأطراف ولا ترغب به لا موسكو ولا واشنطن، وهذا ما يجعل من خيار الضربة المحدودة والصفقة الموعودة أقرب للتحقيق، وهو الأمر الذي عمل على بيان أهمية الأردن من واقع اتصالاته المكثفة التي أجراها الملك عبدالله والوزير الصفدي من اجل خفض ميزان التصعيد بوقف إطلاق النار بشكل دائم، ووقف سياسة التجويع اللاإنسانية التي تتبعها الحكومة الاسرائيلية في القطاع، وهو الصوت الذي أخذ يرسم حالة ويرجح الوصول إلى معادلة الضربة والصفقة.