سياسة الولايات المتحدة ومعها إسرائيل تقوم على مبدأ جديد في السياسة الدولية لا بد من تدريسه في كليات السياسية، والعلاقات الدولية، والمعاهد الدبلوماسية والعسكرية.
تقوم هذه السياسة على مبدأ ان القتل يجب ان تلحقه جولات سياسية للحض على ضبط الاعصاب من ذوي القتيل، وبدلا من منع القتل ذاته، يتم القتل ثم مطالبة القتيل في ضريحه بالصبر، والضغط على اهله من اجل التهدئة وضبط الايقاع ومنع الغضب ورد الفعل.
منذ حرب غزة الجارية حاليا، وفي ظروف مختلفة، يقوم الدبلوماسيون الغربيون عموما باتصالات سياسية لمنع تدهور الاوضاع، ولسان حالهم يقول للدول والشعوب المستهدفة ان عليهم التحكم في ردة فعلهم، وعدم الانجرار وراء الغضب، والتمهل والتأني والتفكير قبل الرد على القاتل، والذي يعود الى الصياغات الدبلوماسية للبيت الابيض، ولعواصم اوروبية، يجدها تتشابه في هذه الطريقة، اذ بدلا من نهر القاتل، ومنعه، واتخاذ خطوات ضده، تتم مطالبة الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين والايرانيين واليمنيين والسوريين وغيرهم بمنع الانفجار، وابتلاع السم، والسكوت بكل هدوء، دون تفكيك للمشهد، مع تعمد تجاهل اصل الجريمة ومسبباتها.
لا يمكن مساواة الجاني بالضحية، وحين تقتل اسرائيل كل هذه الاعداد في غزة مثلا، يخرج الدبلوماسيون الغربيون ويطالبون بالضغط على التنظيمات الفلسطينية لوقف الحرب، وتسليم الاسرى، وعدم توسعة اطار الحرب، فيما الاصل ان تكون المطالبة موجهة نحو اسرائيل اولا، ودون اي مساواة اصلا بين الطرفين، الجاني والضحية، لأن الندية هنا ليست بريئة، ويحاولون توظيفها للايحاء بكون الجانب الاسرائيلي مظلوما ايضا، من جرائم الفلسطينيين وافعالهم.
القصة تنطبق بشكل او آخر على اللبنانيين والايرانيين، خصوصا، بعد الاغتيالات الاخيرة التي جرت في طهران وبيروت، والكل يطالب بالتهدئة، ومنع الانفجار، وضبط رد الفعل، والتحكم بالاعصاب، حتى لا ترد هذه الاطراف على ما يجري على اراضيها، في ايحاء آخر، يحمل رسالة مشفرة تقول انكم اضعف من احتمال الرد على ردكم، اضافة الى ان العالم الحر مشفق على شعوبكم من النار الاسرائيلية، ولهذا الافضل ضبط اعصابكم، وتحمل اللكمات بصمت.
هذا النفاق الدولي يتجلى في محطات كثيرة، وحتى لا نبقى في قصة الكراهية بين الشمال والجنوب، وعدم الفهم بين اوروبا واميركا، والعالم العربي، فإن التخلي عن النفاق يتطلب قدرة غير متوفرة لدى عواصم كثيرة مرهونة لمصالحها، ولا تأبه بقتل الابرياء، على مدى عقود، وتشرعن الاحتلالات، وتطالب الشعوب بالسكوت، وتحض على الصبر، وضبط الاعصاب، وتتوارى وراء الدبلوماسية وجولاتها لاقناع القتيل وذوي الدم على الصبر وعدك التسرع في الرد.
من المفهوم هنا ان العالم لا يخضع لقواعد اخلاقية، وان قاعدة المصالح، والاقوى والاضعف، هي السائدة، لكن هذه الطريقة هدمت حضارات سابقة، لم يبق منها سوى ذكريات آثمة.
يقتل الاسرائيليون الفلسطيني واللبناني، بكل جرأة، ويطالبون في الوقت ذاته عبر اذرعهم الطرفين بعدم التصعيد، وقد كان الاولى ان تتوجه كل الدبلوماسية الدولية بوسائل ضغطها نحو القاتل لردعه ومنعه ووقف كل هذه الجرائم التي تبدأ بالقتل المباشر، وتمر عبر الحملات المعنوية لإخافة الشعوب مما هو مقبل وآت، وتدمير حياتهم ومسراتهم واقتصاداتهم.
القتيل في بلادنا حي، ولا يمكن للحي والحر ان يضبط اعصابه اصلا.
الغد