تلوث المياه في بلدة سوف .. السبب والعجب
د.حسين الخزاعي
04-05-2011 06:26 PM
"وانزلنا من السماء ماء طهورا "فالاصل في الماء النقاء والطهارة والنظافة من العوالق ليكون صالحا للشرب والوضوء والزراعة .وقد ورد في القرآن تحت مسميات المطر والغيث والرزق.لانه اساس الحياة "وجعلنا من الماء كل شىء حي". وهو احدى معجزات الله سبحانه وتعالى، فحوالي 70% من الكرة الارضية يغطيها الماء كما ان 70% من جسد الانسان من الماء.وهذا لم يات مصادفة.
وبنظرة فاحصة للتاريخ والجغرافيا نجد ان الحضارات العظيمة نشأت وازدهرت حول الانهار العظيمة ،كالحضارة المصرية والبابلية والهندية والصينية،حتى انه جاء في صحيح البخاري ان النيل والفرات من انهار الجنة، كما ان نهر " الكنج" في الهند له قدسية عند الهندوس اذ انهم يحجون اليه في كل عام ويتطهرون بالسباحة بمائه في اكبر تجمع بشري.ولابد من الاشارة ان نهر الاردن له مكانة دينية عند الاخوة المسيحيين ، فالسيد المسيح تعمد فيه وافتتح بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر في شهر ايار 2009 خلال زيارته الشهيره للأردن موقع " المغطس" فيما زالت حضارات ودول بعد شح الماء كما حدث بعد خراب سد مأرب اذ انهارت دولة سبأ العظيمة.
هذه مقدمة ضرورية نظرا لأهمية الماء، ودوره الحيوي في حياة الشعوب وبناء الحضارات، مع الاشارة بوضوح ان الأردن من افقر دول العالم مائيا، حتى يقال اننا من افقر سبع دول في العالم.لذلك بات حريا بنا المحافظة على مصادر المياه، وايجاد البدائل الممكنة وتنويعها، فحصة الفرد الاردني من الماء هي الاقل دوليا.
المثير في الموضوع ان هذه الحقائق يعرفها اهل المسؤولية والعامة على السواء،وبدلا من الاستماتة في الدفاع عن كنوزنا المائية الباقية،فانها تتعرض للسحب الجائر،والسرقة في وضح النهار، وحفر الآبار غير القانونية في كل مناطق المملكة حتى هبطت المياه الجوفية وتملحت التربة الزراعية.ومن اسوأ ما تتعرض له مياهنا الشحيحة، قضية التلوث الموسمي،نتيجة الاهمال ،فلم تسلم محافظة او منطقة دون تلوث، وهناك اسباب كثيرة وراء ذلك على رأسها انعدام شبكات الصرف الصحي ،وعبث بعض الاشخاص اللامسؤوليين من اصحاب صهاريج النضح حيث يفرغون حمولتهم في السيول والوديان والمناطق الحرجية وعلى اطراف الطرق، ونرى ان اقوى دوافع العبث هزال التشريعات والعقوبات غير الرادعة فاذا قبض على سائق صهريج بالجرم المشهود، فمخالفته لا تتجاوز الخمسة دنانير، وهذه بحد ذاتها جائزة تشجيعية لاصحاب الصهاريج بالتخلص من حمولتهم اين ما كان وكيفما اتفق.
ذات السيناريو يتكرر هنا وهناك، دون حلول جذرية،ففي حكومة البخيت الاولى (2007) تعرضت اكثر من محافظة الى تلوث خطير وواسع، ففي المفرق تعرض اكثر من الف شخص للاصابة بالاسهال بسبب المياه الملوثة المعروف بتلوث المنشية الذي جرى بتاريخ 29 تموز 2007 والذي اطاح بالرؤوس الكبيرة في وزارتي الصحة والمياه ورؤوس من الحجم المتوسط في وزارات البلديات والصحة والمياه، ثم اعقبه التلوث الشهير الذي تعرضت له محافظة جرش، وتحديدا بلدة ساكب التي تضم اكبر تجمع سكاني في المحافظة وكشفت الفحوص ان السبب يكمن في تسريبات الحفر الامتصاصية لشبكة المياه المهترئة، واللافت ان قرى غرب جرش كلها تفتقر للصرف الصحي رغم مناشدة الاهالي والبلديات،ومع ذلك نتغنى بالبنية التحتية، واننا نتفوق فيها على كل جيراننا.
ما حصل في جرش من تلوث مياه يعد كارثة بيئية بكل المقاييس، واعتداء على صحة الفرد والمجتمع ولاتقبل الاعذار بما يتعلق بحياة الفرد وصحته، خاصة بعد ارتفاع معدلات الامراض عندنا بشكل قياسي وهو بالتالي ـ اي التلوث ـ قتل جماعي بطىء، ويجب ان لايفلت احد من المسؤولية،السائق الذي اقترف جريمة التلوث والموظف المتهاون المهمل في تأدية واجبه الوظيفي.
في الصحة العامة وامن المواطن،والمحافظة على سلامة المجتمع الصحية والغذائية،لامكان للاعذار والاعتذار،فالانسان اغلى ما نملك ، ولا يجوز تدميره، بلقمة الخبز او جرعة الماء الشحيحه التي ينتظر ايام او اسابيع قدومها لساعات فقط ونحمد الله ان راس النبع " وزير المياه الحالي " صرح ان عدادات المياه الواصله للبيوت تحاسبنا على الهواء، فصدقت المقوله " المواطن اللي الذي يأكل هوى ما بتفرق معاه لو شرب الهوى؟! "، اذا كانت الحلول متاحة ،واذا لم تكن يجب ان تكون.فما معنى ان بعض بلداتنا وقرانا والتجمعات السكنية،والمخيمات بلا شبكات صرف صحي؟وهل يقبل احد عذر مسؤولين سلطة المياه ان سرقة المناهل التي دأب "الحرامية "على سرقتها منذ سنوات هي سبب التلوث ؟ !ولماذا لم تبتدع السلطة العتيدة، طريقة اخرى خلال السنوات الماضية لحفظ المناهل بحيث لا يتم انتزاعها بسهولة من لدن اولاد الشوارع؟ وهل التكنولوجيا والعلم عجز عن حفظ اغطية مناهل ، واين مديرية الصحة وسلطة المياة والبلديات والزراعة من متابعة هذه الكوراث البيئية التي لاتنعكس على الانسان وحده بل تطال الخضار والاشجارو ومناطق رعي الحيوان والانكى انها تسلل الى المياه الجوفية.
وازيدالقارىء والمسؤول معلومة جديدة ان حوالى عشرة معاصر زيتون تحيط بمدينة جرش ،وفي موسم قطاف الزيتون وعصره، تنتج المعاصر مئات الالوف من اللترات من المياه العادمة على مدار الموسم، بما يعرف بـ"الزيبار"وهي سموم صريحة تنتج عن مخلفات عصر الزيتون ، وهي تقتل التنوع الحيوي النباتي،وتسمم الارض،وتلوث المياه الجوفية....111
مسك الختام،،،نريد مياه خالية من الملوثات والمنغصات والممغصات. نريد محاسبة المسؤولين عن تلوث مياه سوف او اي تلوث يحصل في اي مكان في المملكة ؟!
اكاديمي..تخصص علم اجتماع
ohok1960@yahoo.com