من البيروقراطية إلى الثقة
صالح سليم الحموري
06-08-2024 01:36 PM
الثقة هي الشعور بالأمان والاطمئنان تجاه جهة معينة، سواء كانت فردًا أو مؤسسة. وفي سياق الحكومات، تعبر الثقة عن مدى اعتقاد المواطنين بقدرة الجهات الحكومية على تقديم خدمات فعّالة، شفافة، ومهنية. تُعد الثقة أحد المؤشرات الأساسية التي تعكس رضا الجمهور واستعدادهم للتعاون مع الحكومة والامتثال لإجراءاتها.
عندما تتضاءل الثقة بين المتعاملين والحكومة، يتباطأ إنجاز المعاملات وترتفع التكاليف. يعود ذلك إلى الحاجة المتزايدة للتحقق المتكرر من المعلومات، وزيادة الطلب على الوثائق الداعمة، وتعقيد الإجراءات، مما يؤدي إلى تضخم البيروقراطية. في المقابل، عندما تكون الثقة عالية، تقل الحاجة إلى الإجراءات المعقدة والرقابة المكثفة، مما يسرع إنجاز المعاملات ويخفض التكاليف، ويساهم في "تصفير البيروقراطية" في العمل الحكومي.
ويؤكد المفكر فرانسيس فوكوياما على هذه الفكرة بقوله: "إن انتشار انعدام الثقة في مجتمع ما يفرض تكلفة إضافية على جميع أشكال النشاط الاقتصادي، وهي تكلفة لا تضطر المجتمعات التي تتمتع بمستويات عالية من الثقة إلى تحملها."
لتعزيز الثقة بين الحكومة والمواطنين، يجب على الحكومة أن تكون شفافة في كل تعاملاتها، وأن توفر معلومات واضحة ودقيقة حول الإجراءات والخدمات التي تقدمها. كما أن المساءلة عن أي خطأ أو تأخير تُعد عنصراً أساسياً في بناء الثقة. التواصل المستمر والمفتوح مع المواطنين والمتعاملين يساهم في بناء جسور من الثقة، ولهذا من الضروري وجود قنوات اتصال مباشرة تتيح للمواطنين طرح استفساراتهم والحصول على إجابات واضحة.
تقديم خدمات عالية الجودة تلبي احتياجات المواطنين هو أساس تعزيز الثقة. التركيز على رضا المتعاملين وتحسين تجربة المستخدم يعزز من رؤية المواطنين للحكومة كمؤسسة موثوقة. ومن الضروري أيضاً تبني الحلول التكنولوجية الحديثة في تقديم الخدمات الحكومية، حيث يسهم ذلك في تقليل التعقيد وزيادة الكفاءة، مما يعزز الثقة في قدرة الحكومة على مواكبة التغيرات وتلبية احتياجات المواطنين بشكل أفضل.
إشراك المواطنين في عملية اتخاذ القرار والاستماع إلى آرائهم يعزز من شعورهم بالثقة تجاه الحكومة ويزيد من تفاعلهم الإيجابي معها. ومن الأمثلة العملية على نجاح تعزيز الثقة، تجربة حكومة إستونيا في الرقمنة، حيث أسست نظاماً رقمياً شفافاً يتيح للمواطنين الوصول إلى خدمات حكومية متكاملة بفعالية وسرعة. كما تُعتبر تجربة دبي في "تصفير البيروقراطية" نموذجاً آخر على كيفية تعزيز الثقة من خلال تبني التكنولوجيا لتقديم خدمات حكومية متميزة.
بدون الثقة، لا يمكن تحقيق خدمات حكومية متقدمة، حيث لا توجد قوة كافية لحماية كل تفاصيل المجتمع المفتوح. بدون الثقة، لا يمكن الوصول إلى "تصفير البيروقراطية"، لأن الثقة هي العامل الأساسي الذي يتيح لنا إزالة الحواجز وتبسيط الإجراءات وهدم الجدران التي تعيق التقدم.
العلاقة التي تتسم بالثقة هي الأساس الذي يبنى عليه كل نجاح الحكومات. فالثقة تملك القدرة على إلهام الآخرين بشكل لا مثيل له، وتعزز من قيمة الاقتصاديات بشكل كبير، وتمنح السمعة قوتها الحقيقية.
والثقة هي العنصر الذي يمتلك القدرة على تغيير كل شيء بشكل جذري. وفي هذا العصر العالمي المتسارع، لم يكن هناك وقت أكثر أهمية من الآن لبناء واستعادة وتعزيز الثقة على جميع المستويات. سواء كنت تسعى لزيادة مستوى الثقة في حياتك الشخصية أو المهنية أو كلاهما، فإنني أؤكد لك أن تحقيق ذلك سيحدث فارقاً كبيراً في جميع جوانب حياتك.
بناء الثقة بين المواطن والحكومة ليس بالأمر السهل، لكنه ضروري لتحقيق إدارة حكومية ناجحة ومستدامة. الثقة ليست مجرد هدف، بل هي عملية مستمرة تتطلب التزاماً وجهوداً متواصلة من كلا الطرفين. من خلال تطبيق الأساليب المذكورة أعلاه، يمكن للحكومات تعزيز هذه الثقة وتحقيق علاقات مثمرة مع المواطنين، مما يساهم في تحقيق التنمية والاستقرار على المدى البعيد.