سطحية بعض الإعلام العربي والتأثير في وعي الجمهور
د. أشرف الراعي
06-08-2024 11:03 AM
في ظل ما نشهده اليوم من انتشار للمنصات الرقمية، أصبحنا نعاني من سطحية الكثير من وسائل الإعلام العربية في تناول القضايا الوطنية وهو ما يعد مشكلة تؤثر في وعي الجماهير وتعزز الروايات الواردة في الصحف الأجنبية دون تمحيص أو تحليل حيث تتسم التغطية الإعلامية بالكثير من السطحية التي يمكن إرجاعها إلى ضعف الموارد والإمكانيات التي تعاني منها المؤسسات الإعلامية العربية؛ إذ أن العديد من هذه المؤسسات تفتقر إلى التمويل والكوادر البشرية المؤهلة مما يؤدي إلى إنتاج محتوى منخفض الجودة وغير قادر على تقديم تقارير وتحليلات متعمقة عن القضايا الوطنية.
كما أن الضغط الزمني المفروض على الصحفيين لإنتاج الأخبار بسرعة يساهم في تقليص عمق التغطية وتحويل الإعلام إلى وسيلة لنقل الأخبار السطحية والسريعة دون التحقق الكامل من المعلومات أو تقديم تحليلات موسعة، بالإضافة إلى ذلك تلعب الرقابة السياسية والقيود القانونية - أحياناً - دوراً كبيراً في الحد من حرية الإعلام؛ إذ يضطر الصحفيون في بعض الدول العربية إلى تجنب تناول القضايا الحساسة أو يعتمدون على نقل الأخبار من مصادر أجنبية لتفادي المشاكل القانونية، وهو أمر لا بد من تلافيه قانونياً وتوعوياً.
وبالطبع، فإن الاعتماد على المصادر الغربية في نقل المعلومات أصبح ظاهرة ملحوظة في الإعلام العربي ويمكن تفسير ذلك بالافتقار إلى التغطية المحلية؛ حيث تفضل العديد من المؤسسات الإعلامية ترجمة الأخبار الغربية أو نقلها مباشرة دون تعديل مما يؤدي إلى تقديم وجهة نظر "غير وطنية" عن القضايا الوطنية"، كما أن التبعية الإعلامية للشبكات الدولية تؤدي إلى اتباع نفس الأجندات التحريرية التي تنتهجها هذه الشبكات مما يقلل من القدرة على تقديم محتوى محلي متميز وبالإضافة إلى ذلك فإن الروايات الغربية التي يتم نقلها غالباً ما تحمل تحيزات ضد العالم العربي، وعندما تُنقل هذه الروايات دون نقد أو تعديل يتم تعزيز الصورة النمطية التي يحملها الغرب عن العرب في الذهن العام.
ولا مفر من القول إن "الآثار المترتبة على هذه السطحية تشمل تشويه الوعي الجماهيري؛ حيث يؤدي نقل المعلومات من الصحف الغربية دون تمحيص إلى تقديم صورة غير دقيقة عن القضايا الوطنية مما يساهم في إضعاف الثقة بوسائل الإعلام المحلية ودفع الجمهور إلى البحث عن مصادر بديلة قد تكون غير موثوقة كما أن هذا التوجه يعزز من تأثير الأجندات الأجنبية على الرأي العام المحلي وهو ما يضعف من قدرة الإعلام العربي على التأثير في مجريات الأحداث الوطنية والدولية".
ولمعالجة هذه الظاهرة يجب على وسائل الإعلام العربية اليوم تبني استراتيجيات جديدة تهدف إلى تعزيز القدرات المهنية للصحفيين وتشجيعهم على إنتاج تقارير محلية متعمقة ومؤثرة، بالإضافة إلى تطوير آليات داخلية لمراجعة المحتوى قبل نشره لضمان تقديم تغطية إعلامية مهنية وموضوعية للقضايا الوطنية وبتعزيز هذه الخطوات يمكن للإعلام العربي أن يستعيد دوره في تشكيل الرأي العام بطريقة تعكس الواقع الوطني بموضوعية وعمق.
وتعد هذه الخطوات ضرورية ليس فقط لتحسين نوعية المحتوى الإعلامي بل أيضاً لتعزيز ثقة الجمهور العربي بوسائل الإعلام المحلية إذ أن الجمهور يبحث عن مصادر تقدم له تحليلات دقيقة ومتوازنة لقضاياه الوطنية بدلاً من نقل الروايات الأجنبية التي قد لا تتوافق مع الواقع المحلي؛ فيجب على الإعلام العربي أن يسعى جاهداً لتقديم تغطية تسلط الضوء على الجوانب المختلفة للقضايا الوطنية مع التركيز على الأبعاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تؤثر على حياة المواطنين من خلال الاستثمار في تطوير المهارات الصحفية وتبني تقنيات تحقيق متقدمة يمكن للإعلام العربي أن يصبح قوة محركة للتغيير الإيجابي في المجتمع بدلاً من مجرد ناقل للأخبار والمعلومات.
وفي هذا السياق، يجب أيضاً أن يتم تعزيز التعاون بين المؤسسات الإعلامية المحلية ومؤسسات المجتمع المدني من خلال تنظيم حلقات نقاشية وورش عمل تهدف إلى تحسين الفهم العام للقضايا الوطنية وتعزيز الحوار المجتمعي البناء، كما ينبغي أن يكون هناك تواصل مستمر بين وسائل الإعلام والمؤسسات الأكاديمية لإنتاج دراسات وأبحاث تسهم في تقديم محتوى إعلامي مبني على أسس علمية رصينة.
وفي النهاية، لا يمكن إغفال أهمية الدور الذي يلعبه الجمهور نفسه في هذا السياق؛ فالجمهور الواعي والمثقف يشكل ركيزة أساسية في دفع وسائل الإعلام نحو تقديم محتوى ذي جودة عالية، كما يجب أن يكون هناك جهد مشترك بين الإعلام والمجتمع لتعزيز ثقافة النقد البناء والتفاعل الإيجابي مع المحتوى الإعلامي حتى نتمكن من بناء إعلام عربي قوي ومستقل قادر على مواجهة التحديات وتقديم صورة حقيقية ومتكاملة عن الواقع الوطني والعربي بعيداً عن السطحية والتبعية للمصادر الخارجية.