هل انتصرت إيران في لعبة الشطرنج الأخيرة .. للسيطرة على الشرق الأوسط؟!
محمود الدباس - ابو الليث
05-08-2024 08:36 PM
في صباح السابع من أكتوبر العام الفائت.. شهد العالم حدثاً غير متوقع.. حينما تعرضت مستوطنة إسرائيلية لهجوم من المقاومة الفلسطينية.. حماس والجماعات المسلحة المتحالفة معها.. هذا الهجوم الذي رأته المقاومة كخطوة لتحرير الأراضي الفلسطينية.. فيما اعتبرته الدول الغربية عدواناً صريحاً على دولة ذات سيادة.. أدى إلى اندفاع الولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية لتقديم الدعم والمساندة للكيان الإسرائيلي.. مؤكدة بذلك التزامها بحماية مصالحها وحلفائها في الشرق الأوسط.. ضاربة عرض الحائط كل المبادئ.. والخلاق.. والاعراف الدينية قبل الدنيوية..
ولكن.. ماذا لو كان المعتدي هو إيران.. الدولة التي تعد ثقلاً عسكرياً وسياسياً في المنطقة وتمثل تهديداً جدياً لأمن الكيان الإسرائيلي؟!..
في هذا السياق.. لا يمكننا إغفال تاريخ التصريحات العدائية الإيرانية تجاه الكيان الإسرائيلي.. إضافة إلى المناوشات المتقطعة التي تنفذها أذرعها العسكرية مثل حزب الله والحوثي.. والتي تبقى غالباً في نطاق العرض الإعلامي دون أن تتحول إلى مواجهات حقيقية ومدمرة..
إذا قررت إيران شن هجوم على الكيان الإسرائيلي.. فإن الولايات المتحدة.. بدعمها العسكري والسياسي اللامحدود للكيان الإسرائيلي.. ستجد نفسها مضطرة للرد.. هذا الرد لن يكون فقط لإظهار القوة.. بل لحماية قواعدها المنتشرة في المنطقة.. فالقواعد الأمريكية تحيط بإيران من كل جانب وتستطيع خنقها عبر تواجدها في دول مثل العراق.. الكويت.. قطر.. والبحرين.. هذه القواعد ليست فقط رمزية.. بل تشكل قوة ضاربة وتستطيع تحريكها في أي لحظة إذا ما دعت الحاجة..
الهجوم الإيراني.. خاصة إذا جاء كرد فعل على حدث كبير.. مثل اغتيال شخصية بارزة مثل إسماعيل هنية على أرضها.. سيكون مغامرة غير محسوبة العواقب.. إيران تعرف تمام المعرفة.. أن الدعم الغربي للكيان الإسرائيلي ليس مجرد كلام.. بل هو تحالف مبني على مصالح استراتيجية وأمنية عميقة.. ولكن السؤال يظل.. هل تريد إيران فعلاً زج المنطقة في حرب شاملة.. قد تتطور لتصبح حرباً عالمية.. إذا ما تدخلت روسيا والصين وحتى كوريا الشمالية إلى جانبها؟!..
التشابك في العلاقات الدولية وتعقيداتها.. يجعل من الصعب توقع كل السيناريوهات المحتملة.. ولكن الواضح هو أن أي عدوان إيراني على الكيان الإسرائيلي.. سيُقابل برد فعل عنيف.. ليس فقط من الكيان الإسرائيلي.. بل من تحالف دولي يضم الدول الغربية.. هذا الرد قد يكون محدوداً في البداية.. لكنه يحمل في طياته احتمالات تصعيد خطير.. قد يغير ملامح المنطقة والعالم بأسره..
من جهة أخرى.. يجب أن نأخذ في الاعتبار.. أن التصريحات الإيرانية "العدائية" من وجهة نظر الغرب والكيان الإسرائيلي.. قد تكون جزءاً من استراتيجية أوسع لتحقيق مكاسب وضمانات سياسية.. في هذا السياق.. يمكن لإيران أن تسعى لحفظ ماء الوجه.. وذلك من خلال القيام بضربة استعراضية غير مؤثرة.. خاصة إذا ما توعدت بالرد على عملية الاغتيال التي وقعت على أرضها.. هذه الضربة.. رغم رمزيتها.. قد تكون محاولة لتهدئة الداخل الإيراني.. وكسب العرب الذين ينظرون إلى إيران.. على أنها المساند للمقاومة.. وإظهار القوة.. دون الدخول في مواجهة حقيقية ومدمرة مع الكيان الإسرائيلي وحلفائه الغربيين..
بناءً على ما تقدم.. نجد أن التوترات في المنطقة ليست مجرد صراعات محلية.. بل هي جزء من لعبة أكبر.. تتداخل فيها المصالح الدولية.. والتوازنات السياسية.. والمخاوف الأمنية.. وإذا ما انفجرت هذه اللعبة -لا سمح الله- فإن العواقب ستكون وخيمة على الجميع.. مما يبرز أهمية الحكمة والتروي في التعامل مع مثل هذه الأزمات.. وعدم الانجراف وراء التصريحات.. فما يحدث خلف الأبواب المغلقة.. لا يستوعبه كل العقول.. ويحتاج إلى تحليل عميق.. يتجاوز السطحية.. ليفهم تعقيدات السياسة الدولية.. وآثارها بعيدة المدى..