الأردن وإيران .. ماذا في الأذهان؟
د. صبري ربيحات
05-08-2024 01:04 PM
بعد عقود من البرود والجفاء والعلاقات المتذبذبة وما يعتريها من الشك احيانا والاتهامات المباشرة وغير المباشرة احيانا اخرى، ظهر هذه الايام وبصورة متسارعة اقبال مشترك على الحوار بين الطرفين وسط غموض حول الدوافع الحقيقية لهذا التغيير المفاجئ في المواقف وما يمكن ان تتناوله مثل هذه المباحثات وإمكانية استمرار هذه الحالة وجدوى هذا الحوار وتأثيره على كل من البلدين وعلى علاقاتهما في الاقليم والعالم إضافة إلى القيمة المضافة لهذه الخطوة على مجريات الحرب في المنطقة.
الاشارات الصادرة عن الطرفين للتقارب بدت مفاجئة وغير متوقعة وكأنها لم تلد ولادة طبيعية، فقد جاءت بعد عقود من الجفاء والتقلب ولم يسبقها أية إشارات الى وجود مثل هذا الاستعداد للحوار، كما أنها ظهرت في أعقاب اغتيال الشهيد اسماعيل هنية في طهران من قبل الاحتلال الغاشم وبالتزامن مع تهديد إيران بأنها سترد على هذا العدوان ردا قاسيا.
من الواضح أن للأردن مصالح عديدة في الحديث مع إيران وهناك ملفات ثنائية تحتاج إلى بحث وتفاهم حولها، فعلى الصعيد الأمني شكا الاردن مرارا من وجود قوى تحاول العبث في الأمن الداخلي الاردني سواء بتمرير أسلحة او بدعم المهربين وتجار الممنوعات او بدعم ورعاية بعض الجماعات والأفراد الذين شكلوا خطرا على الأمن الأردني..
بنفس المنطق ترى إيران والقوى المساندة لها أن بإمكان الأردن أن يؤدي دورا أكبر في تخفيف الحصار على غزة ويذهب البعض ابعد من ذلك لاتهام الاردن بتسهيل مرور الخضار والفواكه والبضاعة عبر الخط البري بديلا عن خطوط الشحن البحري التي توقفت بفعل الحصار الذي فرضه الحوثيون من خلال تحكمهم بمضيق البحر الأحمر.. إضافة الى انها ترى اهمية استراتيجية للأردن كونها مجاورة للكيان الاسرائيلي وللأهمية التاريخية والدينية التي تتمتع بها.
بين هذا وذاك ومع ارتفاع وتيرة التهديد بين اسرائيل وإيران يجد الأردن نفسه مرغم على ان يكون ممرا جويا لأي هجوم او دفاع تقوم به الأطراف الإيرانية والاسرائيلية ضد بعضها البعض. ففي الأشهر الماضية كانت الأجواء الأردنية ممرا للصواريخ والمسيرات الإيرانية ومسرح لعمليات جوية مضادة قامت بها القوات الامريكية والفرنسية وحلفاؤهم لاسقاط الصواريخ والمسيرات العابرة للأجواء الاردنية
خلال تلك الفترة حذر الاردن الجميع وقال وزير خارجيتنا إن الاردن لا يقبل ولن يسمح بان تكون اجواءه ممرا لاحد في إشارة الى ان ذلك ينبغي أن لا يتكرر خصوصا وان في ذلك مخاطر لجر الاردن لصراع قد لا يكون جاهزا ولا راغبا في دخوله. ومشككا في سبب الاصرار الإيراني على استخدام الأجواء الاردنية بالرغم أن لهم نفوذا واسعا في سورية وجبهة متقدمة في لبنان.
إلى جانب كل ذلك لم يحرز الاردن التقدم الذي يطمح له في العلاقات الاقتصادية مع العراق بالرغم من وجود رغبة لدى الطرفين وفي اعتقاد الكثيرين ان الاسباب وراء الانتكاساسات التي تشهدها المفاوضات عائد الى التدخلات الإيرانية.
بالرغم من قدرته السياسية وبراعته في تذليل الكثير من العقبات الا ان الاردن الذي كان دوما محورا أساسيا في بحث قضايا وملفات الاقليم بدا بعيدا عنها هذه المرة فقد تولت كل من قطر ومصر دور الوسيط في مسألة المحتجزين والوصول الى تفاهمات دون تحقيق نتائج نهائية بسبب تعنت نتنياهو وربما لأسباب اخرى.
اليوم تأتي خطوة فتح الحوار الاردني الإيراني لتعطي للاردن فرصة لإحراز تقدم يخدم المصالح العربية والاردنية على عدة جبهات ويوسع خيارات الاردن في الانفتاح على الجيران في الاقليم دون أن يكون مرتهنا لعلاقة بعينها..
الملف الأمني والاستعداد للعب دور اكثر ديناميكية وتسييل القدرة الاردنية على التفاعل مع كافة البنى السياسية والقوى الطائفية ميزة اردنية يمكن ان تحدث فرقا في الاقليم لو احسن استخدامها.
الديناميكية التي يتمتع بها وزير الخارجية الاردني ووجود قيادة ايرانية جديدة ووصول الاسرائيليين الى حالة من الإجهاد ونضوج الرغبة لدى كافة القوى في العالم لإيقاف القتل والتدمير عوامل يمكن ان تساعد الاردن في لعب دور دبلوماسي مهم.
الخشية ان لا يسمح للأردن بأن تلعب هذا الدور وان تتدخل قوى دولية واقليمية لاجهاض هذا المسعى تحت أي مسمى.
نتمنى للاردن وايران النجاح في الانتقال الى مرحلة جديدة ومختلفة من العلاقات القائمة على مصالح الشعبين والأمة.