اللواء الرقاد يقدم ورقة "الجيش العربي في عيون العالم" بمؤتمر الكرامة
04-08-2024 10:29 AM
عمون - شارك اللواء الركن (م) الدكتور محمد خلف الرقاد مدير التوجيه المعنوي الأسبق وأستاذ العلوم السياسية يوم السبت الموافق 3 آب 2024 في مؤتمر الكرامة الذي عقده اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين في المركز الثقافي الملكي في إطار فعاليات ونشاطات مهرجان جرش الثقافي 38 لعام 2024 ، وذلك بالتعاون مع وزارة الثقافة والقوات المسلحة الأردنية / الجيش العربي ، حيث افتتحت وزيرة الثقافة هيفاء النجار المؤتمر بكلمة أشادت فيها ببطولات رجال القوات المسلحة الأردنية / الجيش العربي وتلاحمهم مع الشعب في ظل القيادة الهاشمية .
وقد قدم اللواء الدكتور الرقاد ورقة بعنوان : " الجيش العربي في عيون العالم " تناول فيها الأدوار المهمة والصور البهية والمواقف النبيلة لأبطال الجيش العربي الذين رسموا بأخلاقهم العسكرية الرفيعة وسلوكياتهم الرائدة الموزونة أبهى الصور وأنبل المواقف .. مما أهّلَهم للحصول على ثقة قيادتهم الهاشمية وثقة الشعب في الداخل الأردني .. وعلى ثقة الأشقاء العرب .. وثقة ساسة العالم وقادة الجيوش العالمية الأكثر حضوراً على الساحات السياسية والعسكرية من بين وحدات النظام الدولي .. فاستحقوا المكانة المرموقة في عيون قيادتهم الهاشمية التي أولتهم كل رعاية واهتمام من حيث التطوير والتحديث ، وفي عيون الأشقاء العرب من سياسيين وعسكريين ، وفي عيون كبار ساسة العالم وقادة الجيوش الأكثر قوة وحضوراً على الساحات السياسية والعسكرية في العالم .
وفيما يأتي نص الورقة كاملاَ:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي العربي الهاشمي الأمين وبعد..
بداية ... كل الشكر والتقدير لاتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين ... ولإدارة مهرجان جرش في دورته الثامنة والثلاثين .. وللجنته الثقافية على كريم الدعوة للمشاركة في مؤتمر الكرامة .. وأشكركم جميعاً على اختيار محور الحديث الذي سأتحدث فيه في مؤتمركم العتيد هذا والذي جاء بعنوان : " القوات المسلحة الأردنية / الجيش العربي في عيون العالم " .
وحقيقة الأمر أن هذا المحور واسع وكبير .. ويمكن الحديث عنه بإسهاب .. ولا تكفيه الساعات الطوال.. ولكنني سأسعى ما وسعني الجهد وضمن الوقت المتاح لأن أقدم أبهى الصور .. وأنبل المواقف .. لمن رسموا للأردن مكانة محترمة على امتداد الساحات السياسة والعسكرية في النظام العالمي .. مما عزز من مكانة الأردن بقيادته الهاشمية الحكيمة وقواته المسلحة الباسلة في نظر وعيون ساسة العالم .. وفي عيون قادة الجيوش في أكثر دول العالم ديمقراطية.. وأكبرها قوة وحضوراً بين وحدات النظام الدولي .. وسأتحدث وفق منهجية آمل أن تجلِّي هذه الصور والمواقف .
أرجو أن أبدأ من الداخل السياسي والعسكري الأردني لتوضيح مدى الثقة المتبادلة بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية على الساحة الأردنية الداخلية ..مما يؤكد سلامة وتماسك الجبهة الداخلية ... وبعد ذلك ننطلق لنرى أنفسنا في عيون العالم .. وبثقة عالية .
لقد كانت القيادة الهاشمية هي الأكثر حكمة ورشداً وإدراكاً لأهمية ما يجب ان تكون عليه العلاقة بين السياسة والعسكرية في الأردن .. حيث أن الكيان السياسي والكيان العسكري في الأردن نشآ متزامنين .. بل إن الكيان العسكري قد سبق الكيان السياسي بقليل .. حيث برز دوره ليكون مرتكزاً أساساً في بناء الدولة الأردنية منذ وصول جلالة الملك المؤسس عبدالله الأول ابن الحسين ( سمو الأمير آنذاك) إلى معان في شهر تشرين الثاني من عام 1920.
ونؤكد هنا على أن للمؤسسة العسكرية في أي بلد في العالم دوراً مهماً في صناعة القرار السياسي .. حتى وإن نصت الدساتير وجاء الفكر السياسي في السابق بحصر دورها في الدفاع عن حدود الوطن ومنجزاته .. لكن بدأت هناك توجهات جديدة على صعيد الفكر السياسي الحديث تتوسع باتجاه إبراز دورٍ أكبر.. واعترافٍ صريح بدور سياسي للجيوش .. ذلك لأن متطلبات الحياة المعاصرة جعلت من القوة العسكرية واحدة من أهم القوى ذات التأثير البالغ في صنع القرارات السياسية وغيرها.
وقد أدركت القيادة الهاشمية أهمية القوة العسكرية .. ولكنها رسمت لها منهجاً ودوراً واضحاً .. منذ أن حدد جلالة الملك المؤسس هذا الدور بقوله : " الجيش هو جيش فقط سيف البلاد وسياجها ..ومدار اعتزازها .. وصوتها وسوطها.. وكيد أعدائها .. وقرة عين مليكها .. هو هو .. كلما ازداد حصل الأمن .. وكلما تمرن اكتوى على تحمل المسؤولية".
إن هذا الفهم العسكري والسياسي الذي أدركته القيادة الهاشمية مبكراً .. ولّد ثقة عالية المستوى لإبراز دور المؤسسة العسكرية الأردنية في بناء الدولة الأردنية .. مما عزز الثقة في نفوس كل الأردنيين بان الأردن بشقية السياسي والعسكري يحمل رسالة وطنية وقومية وعالمية كبيرة تربط بين مصالح الأردن العليا والأمن القومي العربي والأمن والسلم الدوليين .
وحتى يتسنى لنا أن نجلّي - بكل فخر واعتزاز- هذا الدور.. فإن محور الحديث سيتناول ثلاثة أبعاد رئيسة جعلت صورة منسوبي الجيش العربي .. هي الأبهى والأجمل والأبلغ في عيون العالم .
أولاً : البعد الوطني. حينما أُسِس الجيش العربي كان جلالة المغفور له الملك المؤسس يدرك بأنه لا بد للحق من قوة تحميه .. وهكذا كان الجيش العربي قد نهض بمسؤولياته على الوجه الأكمل آنذاك .. فكان درع الوطن وحامي إمارة شرق الأردن .
- تم وضع أول قانون للجيش العربي في عام 1928 .. وقبل قانون المجلس التشريعي الأول .. ومع أنه كان هناك بعض القيود التي فرضتها المعاهدة الأردنية البريطانية التي وُقِّعت عام 1928 .. إلا أن جلالة الملك المؤسس ( الأمير آنذاك) ظل يواصل السعي ويبذل الجهد السياسي تلو الجهد السياسي حتى تمكن في عام 1939 من تعديل المعاهدة .. وأصبح هو القائد الأعلى للجيش .. وانطلقت يده حرة في تطويره وتحديثه .. فأنشأ كتائب المشاة من الأولى وحتى العاشرة في أقل من عشر سنوات .
- وما أن كبُر هذا الجيش وتنامى.. حتى ازداد تألقاً في عيون قادته .. وفي عيون الأردنيين .. واتضح هذا جلياً في ثقة الأردن قيادة وشعباً على الصعيد الوطني بقواتهم المسلحة .
- وقد عزز هذه الثقة دور الجيش العربي المشرف في فلسطين خلال معارك 1948 .. ودماء الشهداء التي روّت أرض فلسطين وثرى القدس الشريف.. في معارك اللطرون وباب الواد والشيخ جراح .. وفي اللد والرملة .. وفي بناية النوتردام .. حيث تمكن الجيش العربي من المحافظة على القدس عربية حتى حرب عام 1967.
- وفي عهد جلالة الملك الحسين بن طلال خاض الجيش العربي معارك الاستنزاف التي استمرت منذ أن اتخذ جلالته قراره التاريخي بتعريب قيادة الجيش العربي عام 1956 .. إلى أن خاض الجيش العربي حرب عام 1967 غير المتكافئة التي فقد الأردن إثرها الضفة الغربية .
- وفي 21 آذار من عام 1968 انتزع أبطال الجيش العربي النصر انتزاعاً من العدو الإسرائيلي .. ولا أريد أن أفصل هنا .. حتى لا أدخل على محاور حديث الزملاء الفضلاء.
- لقد عزز هذا النصر الثقة بين الشعب الأردني والجيش العربي .. وكَبُر أبطال الجيش العربي في عيون الأردنيين .. لا بل تعززت النظرة لهم في عيون الشعوب العربية .. وإخوانهم في الجيوش العربية الشقيقة .
- على الصعيد السياسي فإن هذه الثقة الكبيرة برجال الجيش العربي من قبل القيادة الهاشمية جعلها تُحْسِنُ توظيف الخبرات العسكرية واستثمارها لصالح السياسة الأردنية الداخلية.. وقد أجْريتُ أنا (محدثكم) دراسة علمية على أهمية هذا التوظيف الصحيح خلال الفترة من (1989 – 2019) .. وجاءت نتائج الدراسة لتبرز هذا الدور المهم والكبير للعسكريين بعد التقاعد على الشكل الآتي :
أ . على صعيد أعضاء مجلس النواب .. كان هناك ما نسبته 18.5% من أعضاء المجلس جاءوا من النخب العسكرية المتحولة إلى النخب السياسية .
ب . على صعيد رؤساء الوزارات . شكّل (16) رئيس وزراء (25) حكومة حلال فترة الدراسة كان من بينهم (5) رؤساء جاءوا من النخب العسكرية المتقاعدة فشكّلوا (9) وزارات .. أي ما نسبنه حوالي (31%) من رؤساء الوزارات .
ج. على صعيد منصب الوزير . بلغ عدد الوزراء من ذوي الخلفية العسكرية (75) وزيراً من أصل (608) وزراء .. أي ما نسبته (12.33%) .
د . على صعيد مجلس الأعيان . بلغ عدد الأعيان من ذوي الخلفية العسكرية (135) عيناً من أصل(600) عينٍ خلال فترة الدراسة، أي ما نسبته (22.5%).
هـ . على مستوى منصب السفير .. فحدث ولا حرج ..حيث شغلت أعداد كبيرة من النخب العسكرية منصب السفير الأردني في بلدان عربية وأجنبية كثيرة .. وأثبتوا نجاعة ما يسمى بــ ( دبلوماسية العسكر) .
ويتضح هنا أن هذه النتائج العلمية عكست الموثوقية السياسية والرضا الرسمي والشعبي عن الأداء السياسي للنخب العسكرية التي تحولت إلى النخب السياسية بعد التقاعد .
ثانياً : البعد الإقليمي ( القومي العربي) . ويمكن تلخيص هذا البعد بأمثلة من قومية الموقف الأردني من خلال عدة نقاط أكثر إضاءة ومن أهمها :
أ . المساهمة في إعادة الأمور إلى نصابها .. وإعادة الشرعية في العراق إثر ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941.
ب . الوقوف ضد حكومة فيشي الفرنسية في سوريا والتي كانت موالية للألمان في الحرب العالمية الثانية .
ج . دور الجيش العربي في حرب 1948.. وقد أسهب الكتّاب والمؤلفون في شرح هذا الدور والتوثيق له .
د. دور الجيش العربي في دولة الكويت الشقيقة عام (1961 – 1962) والذي ساهم في الحفاظ على الكيان السياسي الكويتي كدولة مستقلة ، حيث أن الضغوط البريطانية والأمريكية لم تثن جلالة المغفور له الملك الحسين عن موقفه في التدخل بين العراق والكويت .. وإرسال قوة عسكرية للشقيقة الكويت على اعتبار أن موقفه هو استجابة للإجماع العربي.. واستبعاداً للقوات الأجنبية عن البلاد العربية .
هـ . ترجمة لمسمّى الجيش العربي الذي جاء من إيمان الملك المؤسس بأن يكون جيشاً لكل العرب .. كان للقوات المسلحة الأردنية / الجيش العربي دور مشرف في الوقوف مع الأشقاء في سلطنة عُمان الشقيقة في عام 1975 .. والوقوف إلى جانب قوات السلطان المسلحة لتوطيد أركان الأمن والاستقرار في محافظة ظفار.
هذه إضاءات على بعض المواقف التي عززت من صورة الجيش العربي في عيون الأشقاء .. وهي أمثلة للاستشهاد والتدليل على جلال وجمال صورة منسوبي الجيش العربي في عيون الأشقاء على الصعيد العربي العربي .
ثالثاً : البعد الدولي . لقد جاءت مشاركة القوات المسلحة الأردنية / الجيش العربي في قوات حفظ السلام الدولية بناء على توجيهات من جلالة الملك الباني - المغفور له بإذن الله - الملك الحسين .. وذلك من منطلق إيمانه بأهمية دور منظمة الأمم المتحدة في حل النزاعات بين الدول الأعضاء في المنظمة الدولية.. وفي النزاعات داخل بعض الدول نفسها.
- تمثلت أهداف عمليات السلام بإشراف الأمم المتحدة في احتواء المنازعات الداخلية داخل الدول ذاتها .. ومحاولة حلها .. وقد تطورت هذه الأهداف من احتواء النزاع وحله.. إلى حالة استعادة السلم الدولي أو بنائه من جديد.
- كما جاءت هذه المشاركات الأردنية في قوات حفظ السلام انطلاقاً من استراتيجية الدولة الأردنية لبذل كل الجهود لدعم الأمن والسلم الدوليين.. والإسهام في رفع المعاناة عن المظلومين في العالم .. ومن أجل المحافظة على حقوق الإنسان .
- كانت بداية المشاركات الأردنية في حفظ السلام انطلقت من مشاركتها في حفظ السلام في انغولا عام 1989.. ليساهم الأردن مع الأمم المتحدة في رؤية عالم يسوده الأمن والاستقرار والسلام .. فشملت هذه المشاركات الكثير من الدول في العالم مثل : ( رواندا .. جورجيا .. يوغسلافيا السابقة .. هاييتي.. الكونغو.. كوسوفا.. تيمور الشرقية .. سيراليون .. إثيوبيا واريتيريا.. أفغانستان.. ساحل العاج .. سلوفينيا الشرقية.. نيبال .. وغيرها).
- لقد شكّل الجنود والضباط الأردنيون المشاركون في هذه مهام قوات حفظ السلام الدولية على مدى حوالي (33) عاماً من (1989 – 2021 ) .. شكلوا سفراء حقيقيين عكسوا الخطاب العسكري والسياسي الأردني بكل معانيه في كل الدول التي شاركوا فيها.. وكانوا مثالاً للإنسانية والتعامل الرائع مع الأهالي ..
- لقد زرت – أنا محدثكم بحكم منصبي كمدير للتوجيه المعنوي - معظم هذه القوات في كثير من دول العالم.. وقد شاهدت بأم عيني الكثير الكثير من المواقف الإنسانية التي تعكس الحفاظ على حقوق الإنسان .. فرجال الجيش العربي كانوا يتقاسمون طعامهم اليومي مع المظلومين والذين كانوا يعانون من ويلات الحروب .. وكانوا يساعدون في فتح المدارس لتعليم الأطفال والأجيال .. وكانوا يقدمون الخدمة الطبية الراقية والرعاية الصحة المتناهية من خلال مستشفيات القوات المسلحة التي تم افتتاحها في الكثير من دول العالم .. وكانوا ينسقون بين أطراف النزاعات الداخلية .. ويشرفون بكل شفافية على الانتخابات .
- اسمحوا لي أن أذكر مثالاً واحداً من نظرة الثقة برجال الجيش العربي وشهادة حق جاءت على لسان قائد القوات الدولية في ساحل العاج - وهي من الدول التي زرتها - حيث جاءت شهادته بقوله : " كان اعتمادنا الأساسي على القوات الأردنية .. أرسلنا سرية أردنية إلى منطقة صعبة جداً في ساحل العاج .. وكان أهل المنطقة يكرهون قوات الأمم المتحدة .. لكن خلال أسبوع واحد .. وجدنا أن القوات الأردنية قد غيّرت سلوك الناس هناك .. وتحول الأعداء إلى أصدقاء .." .
- الأمثلة كثيرة جداً.. ولكن لنرى كيف أثمرت هذه الثقة .. فمن هذه الثمار :
أ . اختيار اثنين من كبار الضباط الأردنيين ليشغلا على فترتين منصب قائد القوات الدولية في كرواتيا .. وهما
(1) الفريق الركن غازي الطيب – العين فيما بعد .
(2) اللواء الركن عيد كامل الروضان – السفير فيما بعد .
(3) فوز اللواء الركن محمد تيسير بني ياسين بعد تنافس شديد مع قادة عرب وأجانب بمنصب قائد القوات الدولية في مهمة إثيوبيا/ ارتيريا .. وقد أصبح سفيراً فيما بعد .. ثم أميناً عاماً لوزارة الخارجية .. ومن ثم نائباً في البرلمان الأردني التاسع عشر .
(4) نتيجة لهذه الثقة العالمية الدولية بمنسوبي القوات المسلحة الأردنية/ الجيش العربي .. كانت قوات حفظ السلام الأردنية في كرواتيا ثاني أكبر قوة حفظ سلام في كرواتيا بعد القوة الفرنسية .