إسماعيل هنية - كونترا
العميد المتقاعد عارف الزبن
03-08-2024 11:35 PM
قبل عامين مع فارق بسيط في التوقيت فجرا وبنفس التاريخ يوم 31 تموز 2022 ، تمكنت الولايات المتحدة من اغتيال زعيم تنظيم القاعدة ايمن الظواهري الذي تسلم قيادة التنظيم بعد مقتل أسامة بن لادن في باكستان عام 2011 ، حيث كان يقف الظواهري بعد أداء صلاة الفجر في شرفة مكان إقامة في العاصمة كابول ، ليسقط عليه صاروخ من السماء بصوت خافت وبغموض حيّر المحللين ،فهذه التقنية لم يعهدها او يسمعها او يشاهدها الا الأهداف او الأشخاص الذين استهدفوا في مثل هذا النوع من الصواريخ (ليدفن معه سر هذا الصاروخ ) ، وليبقى السر مع الشخص او الرامي الذي اطلق الصاروخ ،كذلك فلقد أعقب تلك العملية تغطّية المبنى لاحقا بغطاء بلاستيكي اخضر اللون ، ليخفي خلفة حجم الدمار البسيط الذي لحق في المبنى ، في ذلك اليوم لم تصب زوجة ايمن الظواهري ولا حتى ابنته اللتان كانتا داخل المبنى في غرفة مجاورة .
قبل يومين وبنفس التاريخ وفي تمام الساعة الثانية فجرا يوم 31 تموز 2024، تمكنت إسرائيل من اغتيال مدير المكتب السياسي الشهيد إسماعيل هنية، حيث كان نائما قبل صلاة الفجر في مقر إقامة في العاصمة طهران، ليسقط عليه صاروخ من السماء بصوت خافت ويدخل من شرفة مقر الإقامة، ليُغطّى المبنى أيضا بغطاء بلاستيكي اخضر اللون، دون ان يلحق دمار كبير في المبنى سوى مقتل شخصين فقط.
قد يكون تاريخ وقوع كلا العمليتين صُدفة، ولكن هل من الممكن ان تلعب الصدفة دورها في ان يكون ذلك الصاروخ الخفيف اللطيف الذي اُسقط من السماء هو من نفس النوع. في مقتل الظواهري استخدمت امريكيا صاروخ بتقنية حديثة ومعقدة ومتطورة في دقة الإصابة ، يكاد يخلو من المتفجرات المعتادة التي يحملها الراس المفجر للصاروخ من نوع جو – ارض ،هيل فاير ار 9 اكس R9X Hellfire ، وهذا الصاروخ عادة ما يطلق من منصات او طائرات متعددة سواء المجنحة او العامودية او المسيرة وحتى من الاليات ، الا ان المخطط والمنفذ لهذه العملية لم يجد امامه الا الخيار الأفضل والأكثر احتمالا باستخدام طائرة مسيرة والتي تعتبر طائرة بريداتور Predator هي الأفضل ، كون إقلاعها يكون من منطقة قريبة وقيادتها والسيطرة عليها تكون من شخص يجلس في كابينة مكيفة تبعد عن الهدف (الضحية) الاف الاميال اما ان تكون في صحراء نيفادا او احد القواعد الامريكية .
وقد يكون حجم الاضرار الجانبية في كلا العمليتين صُدفة أيضا ، فحجم الاضرار الجانبية Collateral Damage في منطقة الهدف عالي القيمة HVT High-Value Target (الضحية) كانت خالية من المدنيين بحسب درجة التخطيط والتنفيذ من قبل المخطط للعملية ، فالأضرار الجانية هنا تعتبر بمقياس العملية صفر ، فالمخطط والمنفذ في هذه العمليات كان يشاهد الصاروخ قبل وبعد الاطلاق ويراقب عبر شاشات عالية الجودة في بث حي ومباشر لموقع الهدف ، كما ان هذا النوع من العمليات عادة ما يتطلب تواجد على الأرض او قريب من الهدف عنصر بشري HUMINT Human Intelligence او عميل او موجه رمي امامي يسمى في العلم العسكري الحديث الجيتاك JTAC ، والذي عادة ما يحمل جهاز اتصال لاسلكي او فضائي وموجه ليزري ليس للتقليل من حجم الاضرار الجانبية وانما للتأكد من تدمير الهدف المطلوب ، على الرغم من توفر تقنية التوجيه الليزرية في كل من الصاروخ والطائرة ، الا ان هذه التقنية الرقمية لا يتم الوثوق بها بنفس الدرجة مثل العنصر البشري .
وقد يكون عقد الصفقات في عملية طهران صُدفة أيضا، فهل باعت أمريكيا التقنية او الأسلوب في مقتل إسماعيل هنية لإسرائيل، ام باعت إيران إسماعيل هنيه لإسرائيل، لقد صُدمت عندما قرأت تقرير نيويورك تايمز الذي نُشر يوم أمس في اليوم الأول للعملية “بان هناك قنبلة هُرِبت الى مقر إسماعيل هنية في إيران قبل شهر “، لان هذا الخبر ليس منطقيا ولا واقعيا وغير قابل للتطبيق لأسباب عدة، منها ان مقر الإقامة للزعماء والقادة عادة ما يتم الكشف عليه قبل وصول الضيف من قبل خبراء المتفجرات، ومما يثير الشك في هذه العملية في تزامن احداث او صدفة أخرى (خطط لها) ، وهي زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي النت ياهو الي واشنطن ، التي كان ظاهُرها خطابه في الكونغرس الأمريكي وباطُنها هنية كونترا (صفقة هنيه) ، وما بين الظاهر والباطن هناك صفقة قذرة عادة ما تعتبرها الأجهزة الاستخباراتية او المخابراتية انها صفقة نظيفة، الا انها تبقى تفوح منها رائحة نتنة لا تكاد تنجلي الا ان تتبعها صفقات أخرى ، فهل هو من باب الصدفة أيضا انه وبدون مقدمات إعلامية ان يتم تبادل أسرى أمريكان مع روسيا في اليوم التالي في انقرة فالصفقات عادة لا تتطلب التأخير او التأجيل وكما يقال دن ديل DoneDeal.
فهل نحن امام صفقة ايران – كونترا Iran – Contra جديدة ، والتي لا تزال دول لاعبيها موجودة على الساحة ، تلك الصفقة التي وقعت في منتصف الثمانينات ، حين قدم و أقدم الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان في فترة رئاسة الثانية (1981 – 1986) اكبر خيانة للعرب والغرب ، عندما قام بتبادل سبعة مواطنين امريكان كانوا محتجزين في لبنان لدى حزب الله ، مقابل تزويد ايران بصواريخ واسلحة متطورة (آنذاك) مضادة للدروع من نوع تاو BGM-71 TOW وصواريخ ارض جو متوسطة المدى من نوع هوك MIM-23 Hawk ،للوقوف الى جانب ايران في حربها مع العراق ابان حقبة الرئيس الراحل صدام حسين ، تلك الصفقة التي كان مهندسها بوش الاب (نائب الرئيس ريغان آنذاك) مع الرئيس الإيراني أبو الحسن بني صدر وبحضور مندوب الموساد ار بن منشيه (الإيراني المولد) ، الذي قام بنقل الصواريخ من إسرائيل الى طهران مباشرة كما قام بتحويل 1,217,410 دولار امريكي للإيرانيين لحساب احد الأثرياء اليهود في احد المصارف السويسرية ، تلك الصفقة التي حاول حينها رونالد ريغان تغطية تلك الفضيحة في تبريرعمله لاستعمال أموال ايران - كونترا لتمويل حركات ثوار الكونترا في نيكاراغوا.
فهل نحن امام صفقة ام صفعة؟ وهل كان الشهيد إسماعيل هنية ضحية غالية الثمن في صفقة قذرة رخيصة الأسلوب؟ ام نحن امام صفعة ايقظت العالم؟ فان كانت صفعة للمقاومة الفلسطينية في مفهوم النتن ياهو فستكون صفعة أيقظت العالم العربي بان هذه الحكومة الصهيونية المتطرفة، إذا استمرت في هذا النهج البربري فسيكون مسيرها الزوال، وان كانت صفقة وصفعة معا للعالم العربي فعلينا ان نتذكر، ما قاله المغفور له الملك الحسين بن طلال في قمة الوفاق والاتفاق عام 1987 " قُم ستحكم العالم العربي إذا استمرت فُرقتنا".
وان كانت صفقة هنية – كونترا، فلن تسمعوا او تشاهدوا صاروخ يسقط في ارض فلسطين سيطلق من إيران، وسنبقى نسمع جعجعت الإيرانيون في شعارهم الجديد “الاحتفاظ بحق الرد " او شعارهم الجديد القديم " الموت لأمريكيا الموت لإسرائيل واللعنة على اليهود.