إثارة النعرات على المنصات الرقمية: الخطورة والعقاب
د. أشرف الراعي
03-08-2024 09:13 AM
في ظل الثورة الرقمية، وازدهار مواقع التواصل الاجتماعي، أصبحت المنصات الرقمية ساحة خصبة لنشر المعلومات، وتبادل الآراء بين الأفراد، ومع ذلك، فإن هذه المنصات يمكن أن تصبح كذلك وسيلة لنشر الأفكار السلبية والمُدمرة مثل العنصرية والطائفية وإثارة النعرات العنصرية والطائفية والتي تعد من أخطر الجرائم الإلكترونية، لما لها من تأثيرات سلبية مباشرة على النسيج الاجتماعي، والاستقرار الوطني في أي مجتمع، لا سيما تلك التي تعاني من تحديات اقتصادية وسياسية كبيرة.
إذ ليس خفياً، أن إثارة النعرات العنصرية والطائفية – في أي مجتمع – يمكن أن تؤدي إلى زيادة الكراهية والانقسام؛ حيث تنتج عن هذه الممارسات بيئة "مريضة" من الكراهية والعداوة بين أفراد المجتمع الواحد وهو ما يسهم في انهيار العلاقات الاجتماعية، كما أن من أخطار ذلك تهديد السلم المجتمعي، والذي يمكن أن تؤدي خطابات الكراهية فيه إلى تأجيج الصراعات والاشتباكات العنيفة بين أفراد المجتمع، فضلاً عن تراجع الثقة والألفة والتسامح بين أفراده.
والحمد لله، أن مجتمعنا الأردني – مجتمع واعٍ – محب لأمته ووطنه، ملتزم بأمن البلاد بعيداً عن الدعوات السلبية التي تخرج أحياناً من أشخاص يقيمون خارج الوطن، ولا يريدون به خيراً، ومن هنا فقد أدرك المشرع الأردني في قانون الجرائم الإلكتروني خطورة هذه الجريمة وعاقب عليها بصورة واضحة؛ حيث نصت المادة 18 من القانون بصورة واضحة على أنه "يعاقب كل من قام قصدا باستخدام الشبكة المعلوماتية أو تقنية المعلومات أو نظام المعلومات أو موقع الكتروني أو منصة تواصل اجتماعي لنشر ما من شأنه إثارة الفتنة أو النعرات أو تستهدف السلم المجتمعي أو الحض على الكراهية أو الدعوة إلى العنف أو تبريره أو ازدراء الأديان بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات أو بغرامة لا تقل عن (5000) خمسة آلاف دينار ولا تزيد على (20000) عشرين ألف دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين".
لكن وإلى جانب الدور القانوني والنص الوارد في هذا القانون، فإن نشر الوعي المجتمعي حول خطورة إثارة النعرات العنصرية والطائفية عبر الشبكة العنكبوتية يعد خطوة مهمة وذلك من خلال المدرسة والجامعة والحلقات النقاشية في مجتمعنا، فضلاً عن أهمية تعزيز برامج التوعية والتثقيف حول الاستخدام الآمن والإيجابي لوسائل التواصل الاجتماعي، والمنصات الرقمية والمواقع الإلكترونية والتطبيقات الذكية والتركيز على قيم التآخي واحترام الآخر، والحفاظ على أمن الوطن، وما الدور الذي تقوم به الجهات الرسمية المعنية، إلا دور مُقدر ويحترم؛ فوحدة الجرائم الإلكترونية في مديرية الأمن العام تقوم بجهود كبيرة في هذا الإطار، بما لا يخل بالطبع بحرية التعبير المنصوص عليها دستوراً في المادة 15 من الدستور الأردني، كما أن من المهم أن تُشارك المؤسسات الإعلامية والمجتمعية في نشر الوعي حول مخاطر خطاب الكراهية، وتطوير مهارات التفكير النقدي لدى الأفراد لتمييز المعلومات الصحيحة عن المعلومات المضللة.
وبالتالي، تمثل جريمة إثارة النعرات العنصرية والطائفية عبر المنصات الرقمية تهديداً جدياً للاستقرار الاجتماعي في بعض الدول وهو ما ينأى به الأردنيون عن وظنهم الأغلى، لكننا اليوم نمر في مرحلة دقيقة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ومن الضروري تطبيق قانون الجرائم الإلكترونية بشكل سليم، مع تعزيز الوعي المجتمعي؛ فدور الأفراد في نشر قيم التسامح ومحبة وطنهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية لا يقل أهمية عن دور التشريعات في حماية المجتمع من الفتن والنزاعات، حتى يبقى مجتمعنا الأردني متماسكاً متآلفا صامداً أمام محاولات بث الفرقة والفتنة، وليظل الأردن – كما كان - نموذجا للأمان والأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.