من جديد تتأجج الأوضاع الإقليمية وتزداد احتمالات المواجهة، وربما حرب إقليمية شرق أوسطية، وإن ضمن أطر محدودة مسيطر عليها. جاء ذلك بسبب سلسلة من الأحداث بعد قصف مجدل شمس ثم اغتيالات في بيروت ومن ثم اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران أثناء زيارته. الحدث الذي تم تصنيفه أنه خروج عن قواعد الاشتباك هو اغتيال إسماعيل هنية داخل الأراضي الإيرانية، رغم أن ذلك ليس سابقة، فقد تم اغتيال أب ومصمم البرنامج النووي الإيراني داخل إيران أيضا، وواضح أن أيادي إسرائيلية وقفت خلف ذلك. هذه المرة يبدو أن إيران صنفت اغتيال هنية على أراضيها خروجا عن قواعد الاشتباك، وهذا يترتب عليه رد في داخل الأراضي الإسرائيلية غير معروف الشكل والفحوى للآن، لكن التوقعات أنه سيكون ضمن محددات لا تخرج عن السيطرة وألا يكون مسببا لحرب شاملة في الإقليم، وإنما ترسيخ لقواعد اشتباك جديدة.
إيران ونتنياهو ربما الوحيدان اللذان يريدان للحرب أن تستمر والأوضاع الإقليمية أن تشتد، ولا مصلحة لهما بغير ذلك. بالنسبة لإيران، الحرب أمر يستنزف إسرائيل أولا، وثانيا يخلق بيئة تنمو فيها وتترعرع إيران. إيران تعتاش على الشحن والاستقطاب؛ فكلما زاد ذلك استطاعت التمدد والتغول في دول الإقليم لتخلق هيمنتها على الشرق الأوسط، وهو ما يعد هدفها الاستراتيجي الأساسي المعروف سياسيا واستراتيجيا باسم تصدير الثورة. أما نتنياهو، فهو أيضا صاحب مصلحة باستمرار الحرب لأنها إذا توقفت من دون أن يحقق أهدافه المعلنة غير القابلة للتحقيق، خسر حكومته وأطاحت به المعارضة والناخبون وائتلافه الحاكم اليميني الذي يريد للحرب أن تستمر. توقف الحرب معناه حرفيا انهيار الائتلاف الحاكم في إسرائيل الذي يتبنى سياسات يمينية متشددة متطرفة ضد الفلسطينيين، لذا فالنزاع معهم واستمراره مصلحة سياسية وانتخابية للائتلاف الحاكم.
في الأثناء، الخاسر الأساسي لاستمرار الحرب الشعب الفلسطيني أولا في الضفة وغزة، وباقي شعوب ودول المنطقة ثانيا التي تتأثر كل المؤشرات الاقتصادية فيها بسبب الأوضاع الإقليمية المتفجرة. إسرائيل أيضا متأثرة، فالحرب مكلفة ومستنزفة، وهذا ينعكس على الاقتصاد. معدلات الاستثمار والسياحة وعوائد التجارة والنقل كلها تأثرت بشكل مباشر بسبب الأوضاع الإقليمية، ما انعكس على أوضاع الناس المعيشية وموازنات الدول وعجوزاتها. كل الإقليم يتأثر سلبا بسبب الأوضاع الإقليمية، ولا مصلحة باستمرار مستويات التوتر العالية إلا لإيران ومن لف لفيفها وحكومة نتنياهو اليمينية الآيلة للسقوط في حال توقفت الحرب. هذا قدر الشرق الأوسط المشحون والمأزوم، وكله بسبب غياب الخطاب العقلاني الذي آمن به الأردن ويدعو للسلام والاستقرار ونبذ العنف، حتى تعيش شعوب الشرق الأوسط برفاه واستقرار كما باقي شعوب الأرض. سيستمر الشرق الأوسط يغلي ما لم يتم حل القضية الفلسطينية على أسس عادلة تعطي الفلسطينيين حقهم وكرامتهم الوطنية وتقرير مصيرهم ليعيشوا بسلام وازدهار.
الغد