الأردن .. حتى لا تكون فتنة
زيد الفضيل
01-08-2024 07:02 PM
أدركت في مقالي السابق "سيناريوهات المرحلة" أن إسرائيل بقيادة نتنياهو وحكومته اليمينية، بل وأعضاء الكنيست المتطرفون، سيهربون إلى الأمام، وسيشعلونها نارا في أفاق جغرافية خارج نطاق مقاطعة غزة المنكوبة، وذلك بعد أن فشلوا في تحقيق أي نصر استراتيجي طوال الأشهر السالفة.
وهو ما حدث فعلا، من خلال العملية العسكرية التي تعرضت لها الضاحية الجنوبية ببيروت والتي أسفرت عن مقتل القيادي في حزب الله فؤاد شكر، ثم وبعد ساعات جرى اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية وهو في ضيافة الحكومة الإيرانية بالعاصمة طهران؛ وحتما فالاستهدافان يصبَّان في توتير المنطقة والإصرار على خرق قواعد الاشتباك، وبالتالي فقد بات انزلاق المنطقة في حرب إقليمية قاب قوسين أو أدنى، وهو أمر ستكون تباعاته كارثية على الصعيد الدولي، مما يستوجب على قادة العالم التدخل ومحاسبة إسرائيل على بلطجتها وعدم التزامها بالقوانين الدولية والإنسانية.
في هذا السياق، وفي ظل تصاعد الأزمة الإقليمية، وإصرار إسرائيل على توسيع دائرة الاشتباك والفتنة في مختلف الأرجاء، تصبح الأردن أرضا وشعبا في دائرة الاستهداف الإسرائيلية، تزامنا مع الموقف الحازم الذي تبنته المملكة الأردنية بقيادة الملك عبد الله الثاني إزاء القضية الفلسطينية وأحداث غزة المنكوبة، ووضوح حالة التعاطف الكبير الذي أظهره الأردنيون إزاء الأحداث، الأمر الذي لا يروق للإسرائيلي، ويثير في ذهنه غريزة التوحش إزاء الآخر، فيعمد إلى إثارة الفتن في كل مكان حوله، حتى يستقيم له الحال، وهو ما يستوجب على الأردنيين بكل عشائرهم وهوياتهم الوعي به والحذر منه.
وعليه فإن أكثر ما نحتاجه كشعوب عربية إجمالا، وكشعب أردني بخاصة، هو الثقة بقادتنا في هذه المرحلة المفصلية، والتوحد خلفها، وغلق أي باب يمكن أن تشتعل منه نار الفتنة التي تصب في مصلحة إسرائيل، لاسيما في ظل حالة السعار الإسرائيلية المعاصرة، وهوسهم بالدماء المسكوب ظلما وعدوانا، وإرادتهم بقتل كل العرب مسلمين ومسيحيين.
أشير إلى أن قوة الموقف الأردني الرسمي الذي ساند غزة المنكوبة بشكل خاص، وفلسطين المحتلة بشكل عام، طبيا وغذائيا منذ بداية العدوان، وتماهي الحكومة الأردنية بإيجابية مع الإرادة الشعبية طوال الشهور الماضية، قد جعل الأردن في مرمى الغضب الإسرائيلي؛ كما أشيد بموقف القوى والمكونات السياسية والشعبية في الأردن والتي حافظت على حالة الوئام خلال مظاهراتها ووقفات احتجاجها؛ وهذا هو الوعي المراد بلوغه وتحقيقه، إذ الحفاظ على بقية اللبن خير من إهراقه بعصبية مفرطة، لا تسمن ولا تغني من جوع.
إن أكثر ما نحتاجه اليوم في صراعنا مع العدو الإسرائيلي الذي كشر عن أنيابه، وأخذ ينهش ما بقي من لحومنا، هو أن نتكاتف أولا، وننهي كل خلافاتنا التي ما أنزل الله بها من سلطان، تلك الخلافات التي كان للخلايا الإلكترونية للاحتلال دور في إذكائها، تارة باسم الهوية، وأخرى باسم الأيدلوجيا، وثالثة باسم الطائفية، وهكذا تم إرهاقنا بقائمة لا تنتهي، والخاسر فيها نحن، والكاسب فيها إسرائيل، فهل من مدرك فيعي؟
أخيرا، أكرر ما ذكرته في المقال السابق بأن بنية الكيان الإسرائيلي ليست مدنية، بل عسكرية، فهم شعب مسلح ومدرب، وأغلبهم مجندون في الجيش الرسمي أو جيش الاحتياط، وهذا الاستنزاف يحقق لهم استمرار حياتهم، وبالتالي فإن حروب الاستنزاف على الصعيد الاستراتيجي تخدمهم وتحقق لهم الانشغال بالآخر دونا عن الانشغال بأنفسهم.