واضح أن إسرائيل (حكومة وسياسيين) مصرون على أن يمضوا قدما في إحراق المنطقة، فقرار الكنيست قبل أيام برفض حل الدولتين ينبئ عن توجه عدائي لم يتغير، على أن خطورة قرار الكنيست ليس في رفضهم للحل السياسي، بل في توقيت إعلانهم له، حيث جاء من بعد رمي حكومة إسرائيل كل القوانين الدولية والإنسانية عرض الحائط، وذلك باستمرارها العلني بممارسة سياسة التطهير العرقي والقتل الجماعي لمدنيين ليس لهم من جريمة إلا أنهم فلسطينيون عرب، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين.
جاء قرارهم ليثبت أنهم غير آبهين بإيجاد صيغة عادلة يتم التفاوض عليها، وتسمح للعرب بأن ينخرطوا في مشروع سلام حقيقي وليس وهميا؛ وهو ما تطمح المملكة العربية السعودية لتحقيقه منذ إعلانها لمبادرة فاس عام 1982م، ثم المبادرة العربية عام 2002م، وصولا إلى التصريحات الواضحة لسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان والتي تنص على أن أي سلام مع السعودية لا بد أن يقضي بقبول حكومة إسرائيل لقرار حل الدولتين كمنصة لإحلال السلام العادل بشكل أو بآخر.
كما جاء قرارهم في ظل ثقتهم بالدعم السياسي الكبير لهم من قبل الحكومة الأمريكية وكثير من سياسييها، المدعومين من قبل المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية، والذين كما شاهدناهم تسابقوا على إثبات الولاء لتلك المنظمات، وما سباقهم على التصفيق لنتنياهو وهو يلقي خطابه في الكونجرس إلا دليل على هذا الارتماء في حضن تلك المنظمات اليهودية، غير مهتمين بسلامة القوانين الدولية والحفاظ على مواثيق حقوق الإنسان، والتي عادة ما يطبقونها علينا نحن العرب والمسلمين وشعوب العالم الثالث، فهل هناك تحيز أكثر من ذلك؟
كل هذا يأتي بمرأى ومسمع من العالم، كما يأتي والانتخابات الأمريكية على الأبواب، والرابح فيها هو من سيقدم تنازلات أكثر لصالح الحكومة الإسرائيلية، وبالتالي فنحن أمام سيناريوهات مرعبة تنتظرنا بعد فوز أحد المرشحين، ولا فرق كبير بين الاثنين، وإن كان الرئيس الأسبق ترمب سيكون أكثر سخطا وعدوانية، ومتوافقا في شخصيته مع سمات الصلف الإسرائيلي.
أمام هذا كله، وفي ظل عدم اهتمام الحكومات والمنظمات الدولية بردع إسرائيل، ومنعها من ارتكاب مزيد من المجازر الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، ووقف تطهيرها العرقي في غزة، وفتح مجال للعقلاء العرب لبناء مشروع سلام حقيقي، كيف سيكون المآل في المستقبل المنظور؟
أشير إلى أنه وبالقدر الذي تتضرر فيه إسرائيل على الصعيد الشعبي والاقتصادي من حرب الاستنزاف التي تقوم بها الجماعات المسلحة، لكنها في الوقت ذاته تستظهر فائدة من ذلك، إذ بناء تكوينهم الديني يقوم على خلق عدو دائم، ولذلك جاء تكوينهم السياسي محققا لهذه النظرية، وهو ما يضمن لهم الاستمرار بسلام داخلي، وإلا نحروا بعضهم البعض، وتفرقوا شيعا.
لهذا وبالرغم من خسارتهم الاقتصادية، بل واهتزاز قاعدة أمانهم، جراء حرب الاستنزاف، لكن ذلك أخف وطأة عليهم من أن يقتل بعضهم البعض في حال تمتعهم باستقرارهم الدائم، وإقرار حالة من السلام مع الدول والشعوب العربية.
أشير إلى أن بنية الكيان الإسرائيلي ليست مدنية، بل عسكرية، فهم شعب مسلح ومدرب، وأغلبهم مجندون في الجيش الرسمي أو جيش الاحتياط، وهذا الاستنزاف يحقق لهم استمرار هذا النسق من الحياة، وبالتالي فإن حرب الاستنزاف على الصعيد الاستراتيجي تخدمهم وتحقق لهم الانشغال بالآخر دونا عن الانشغال بأنفسهم.
والسؤال: هل سيكتفي الإسرائيلي بالانشغال في حدود المساحة الجغرافية الحالية؟ أم سيعمد إلى التمدد جغرافيا في المرحلة القادمة؟ لاسيما وأن الغرب ملتزم بتغطية كل توحشه وجرائمه الإنسانية.
مكة