إلى متى سنبقى نخبز بهذه الطريقة؟! ..
محمود الدباس - ابو الليث
01-08-2024 11:01 AM
في بداية عملي كنائب رئيس في احدى الشركات في دولة عربية.. جاءنا كتاب من احدى الشركات التي نتعامل معها.. مفاده انهم يطالبوننا بتعويض عن عدم الايفاء ببعض الامور المتعاقد عليها..
وحين قرأ صاحب الشركة (الرئيس) الكتاب.. استشاط غضباً.. وقال لمدير مكتبه.. اكتب لهم رداً.. باننا لن ندفع شيئاً.. وهذا مخالف للتعاقد بيننا..
ولاني جديد على بيئة العمل تلك.. ولست على اطلاع كاف بكل شيء.. حتى بطبيعة وشخصية (الرئيس).. قلت له.. هل انت متاكد مما تقول؟!.. اجاب نعم.. قلت له.. من خلال نظرة سريعة على العقد.. اجد بنوداً مبهمة.. فلماذا لا نرسلها لمكتب المحاماة قبل الرد عليهم.. فرد علي بطريقةِ غير الراضي.. مع اني مقتنع.. ولكن سنرسلها.. وجاء رد المحامي.. بأن كل ما طالبت به تلك الشركة صحيح وملزم لنا..
في حياتنا اليومية.. نجد أن هذه القصة تنطبق كثيراً على واقعنا.. حيث نشهد الكثير من الأفراد الذين يدلون بآرائهم في مجالات لا يملكون فيها الخبرة أو المعرفة اللازمة.. مع انهم اصحاب خبرة في مجالات أخرى..
هناك حكمة عربية قديمة تقول.. "أعطِ الخبز لخبازه".. وهي تعني أن يتم إسناد المهام إلى المتخصصين الذين يمتلكون المعرفة والخبرة في مجالاتهم.. غير أن الواقع الذي نعيش.. يعكس مشهداً مختلفاً تماماً.. إذ نرى الكثيرين يدلون بآرائهم في كل شيء.. سواء أكانوا يعرفون حقيقة ما يتحدثون عنه أم لا.. وهذه الظاهرة ليست فقط علامة على التشتت والارتباك.. بل تعكس أيضاً ميلاً للتباهي والمكابرة على حساب المنطق والعلم..
هناك الكثير من الشخصيات التي تُبدي آراءها حول قضايا حساسة تهم الوطن.. وتستند إلى مرتكزات قانونية.. أو رؤى استشرافية عميقة.. لها أبعاد دولية.. هؤلاء غالباً ما يجدون أنفسهم في مواجهة انتقادات واتهامات من قبل أناس لا يستندون إلى أساس قانوني أو رؤية شمولية.. بل فقط يريدون الرد.. لأنهم غير مقتنعين بما قيل.. أو يرفضونه بناءً على مشاعر شخصية.. أو لمواقف شعبوية..
على سبيل المثال.. نجد أحياناً شخصيات تطلق تحذيرات من مخاطر محتملة ومخطط لها.. وهي تحذيرات مبنية على معلومات ودراسات دقيقة.. ومع ذلك.. بدلاً من أن يتم الاستماع لهم.. ومناقشة ما يقولونه بعقلانية.. وأخذ الحيطة مما ينبهون منه.. نجد من يحاول تصويرهم على أنهم بومة شؤم.. أو أنهم لا يغارون على الوطن.. وكأنهم يروجون لتلك الأخطار بدلاً من اعتبارهم محذرين منها..
إذاً.. إلى متى سنبقى في دوامة الردود العشوائية والانفعالية.. والتعليقات غير المستندة إلى أدلة؟!.. وإلى متى سنستمر في تسجيل المواقف والشعبويات.. على حساب المنطق والعلم والدراية؟!..
ألم يحن الوقت لأن نقارع الحجة بالحجة؟!.. وأن ندرك أن كل مجال له أصحابه.. الذين يعرفون فيه أكثر من غيرهم؟!.. وأن نعود إلى الحكمة القديمة "أعطِ الخبز لخبازه"؟!..