في عموده شبه اليومي في (الرأي)، امتدح الكاتب الساخر أحمد حسن الزعبي برنامج «ستون دقيقة» الذي بثه التلفزيون الأردني مساء الجمعة الماضية لأنه سمح للمشاركين فيه بتوجيه نقد لاذع للحكومة، وطالبوها باسترداد الأموال المنهوبة من الفاسدين قبل أن ترفع أسعار المحروقات على المواطن الغلبان.
انتقاد الحكومة ومهاجمة الفساد في جهاز إعلامي رسـمي لم يكن مألوفاً في السابق، وأثار إعجاب الكاتب الساخر فاعتبره مؤشـراً على سقوط سلطان الخـوف، لدرجة أنه تجـرأ شخصياً على سؤال رئيس التحرير عما إذا كان يسـمح له بانتقاد لون بنطلون ابن خالـة أي وزير في الحكومة!.
مع أن هذا الكاتب الممتاز يتابع الأحـداث على أساس يومي، إلا أنه يبـدو في مقالـه هذا كأنه يحمل في عقله الباطن موروث عهود الأحكام العرفيـة، حيث كان الحاكم العسكري العام يبطش بالمعارضين ويكمم الأفواه والأقلام.
أرجو من كرمة العلـي، قبل أن تغطي أحمد هـذه الليلة أن تخبره بأن الدنيا تغيرت، وأن سلطان الخوف سقط باتجاه واحد هو خوف الناس من الحكومة، وارتفع في المقابل خـوف الحكومات من الناس بحيث أصبح امتـداح قرار حكومي يتطلب شجاعة نادرة، في حين أن انتقادها أصبح من السهولة وغياب الكلفة حتى تجرأ البعض واستأسدوا.
أتمنى لو أن المدعي العام استمع إلى البرنامج التلفزيوني الذي أشـار إليه الكاتب واستدعى المتحاورين فيه لتقـديم معلوماتهم التي تسـاعد في توقيف فاسدين، واسترداد الأموال المنهوبة منهم لتغطية فروقـات أسعار المحروقات والكهرباء، لأن الحديث في المطلق فقاعة لا قيمة لها.
ليس من الجـرأة في شيء أن تمتنع الحكومة عن رفـع الأسعار المحلية للمحروقات إذا ارتفعت من المصدر، لأن النتيجـة أنها تغطي الفرق بتركيب المزيد من الديون على كاهل المواطن. وإذا تمادت في هذا السلوك أوصلت البلد إلى حافة الأزمة التي تطحن الفقـراء ومحدودي الدخل اللذين لا تزيد حصتهم من الدعم عن 17% في حين يصل 83% منه لغير المسـتحقين.
من هو الجريء؟ الذي يرفع صوته ضد الحكومة أم الذي يدفعها لاتخاذ القرارات الصعبة لحماية حاضر ومستقبل البلد؟.
الانتهازيون والمنافقون رفعوا سقوفهم فجأة عندما اطمأنوا إلى أن الشجاعة لن تكلفهم شـيئاً وهناك من يصفـق لهم.
الراي.