عامل النظافة اذ يتغدى مع الملك
ماهر ابو طير
03-05-2011 03:43 AM
لم ار في حياتي،حواراً،بهذه البساطة بين الملك،واحد مواطنيه،كما رأيت البارحة،في قصر بسمان،بين الملك وعامل نظافة،والتوقيت كان بعد الظهيرة،والسبب تكريم ثلة من العمال.
كنت الى جوار عامل النظافة،على مائدة الملك،وهناك عمال آخرون،قدموا من مناطق المملكة،وعامل النظافة الذي يعيش في الازرق،يقف قبالة الملك،ويشكو اليه بكل ثقة نفس وضع الناس،ووضع العمال،والبطالة المتفشية،وقلة الدخل.
وكأن العامل المنتمي الى قبيلة معروفة،في ذروة اليقين،بأن من امامه لا يقتل ولا يسفك الدم،اذ قال للملك بكل اعتداد ولهجة شبه آمرة»تعال الى الازرق،واريدك ان تزورني في بيتي لترى حالتي التي وصلت اليها،واريد ان اتحدث معك بعد الغداء خمس دقائق منفردين»!.
تبسم الملك فعامل النظافة كان جريئاً،ويتحدث بكل تلقائية،بل كان يتناول الطعام من ذات المنسف،فهو ضيف الملك،دون ان تحرجه البروتوكولات،ودون ان تذعره اللحظة،فالحوار افقي،بين اهل،قبل ان يكون بين طبقة حاكمين وطبقة آخرى،كما في دول «المهمشين»من طبقات.
فوجئ عامل النظافة بكون الملك يعرف قصة ابنته،وسأله الملك عن اخبار ابنته،وهل عادت الى المدرسة ام لا،ولابنة الرجل قصة،اذ انها باتت ترفض ان تذهب الى المدرسة وهي في اطلالة عمرها،لان الطالبات يعايرنها بالقول «ابوك زبال»!.
حاول عامل النظافة مراراً اقناع ابنته بالعودة،وحاول حل المشكلة مع المدرسة،دون فائدة،واذ يسأله الملك عن كل التفاصيل يطلب من رئيس الوزراء ورئيس الديوان الملكي متابعة المشكلة،واعادة الطالبة لدراستها.
ليس هذا الا دليلا اخر على ان قصة ادخال الملك في كل التفاصيل تعبر عن شلل الاخرين،وكساحهم،وان كل شيء بات بحاجة الى امر ملكي في هذا البلد.
يذهب عامل النظافة عالياً اذ يتحدث للملك عن الفساد المالي في بعض المشاريع في الازرق،وكيف ان الملك يتبرع بالمال،والاموال تتبدد،تحت وطأة الفساد،فيما الناس لاتستفيد شيئاً،في تلك المناطق،قائلا للملك:»انت بتدفع وهم بوخدوا الفلوس لجيوبهم»!.
رزق الله عامل النظافة رباطة جأش غريبة،اذ كان منساباً في حديثه بكل شخصيته التي تبدو بسيطة جداًَ،ولاتكاد تظن خلفها،مواطن اردني لديه هذه القدرة اللامعة والانسانية على التعبير عن مشاكله ومشاكل منطقته.
ابتسامة الملك تبدت على سعتها اذ قال له العامل بكل ثقة «بدي احكي معك لحالنا خمس دقائق بعد الغدا»رافعاً التكليف،بينه وبين رأس الدولة،وهو لم يفعل ذلك الا لان وجدانه استقر،تاريخياً،على ان الدولة غير دموية،ولان الملك متواضع وقريب الى الناس.
يد الملك التي امتدت الى المنسف،وتقابلها يد عامل النظافة،كانتا تقولان،معاً،ان لا شرعية لاحد دون الناس،وبسطاء الناس،وان لا سيادة لاحد دون اهلنا في كل مكان،بالاستماع اليهم،وحل مشاكلهم،وان كل مايريده الناس هو حياة كريمة في هذا الزمن.
خرجت من قصر بسمان،وانا اتذكر قصص النخب،وهتافاتهم وشعاراتهم،وفي قلبي صور الفقراء من العمال الذين تغدوا مع الملك البارحة،ولأعرف حينها ان شعبنا لا يريد سوى حقوقه والعدالة الاجتماعية في حياته قبل أي شيء اخر.
فرق كبير بين ملك يتغدى مع مواطنه الذي يشتغل في مهنة محترمة كعامل وطن،واولئك الذين تسببوا بأضرار عميقة لصورة الدولة بين الناس،بتكبرهم،وادارة ظهورهم للناس،واعتبار اهلنا،مجرد حمولة زائدة على ذواتهم الكريمة.
صباح الخير على وطن ُوجد ليبقى من «الدرة» الى «الطرة».
mtair@addustour.com.jo
(الدستور)