حماقة سياسية فاضحة ام عجز عسكري ذريع ؟
فيصل تايه
31-07-2024 03:10 PM
ما الذي يسعى الكيان الإسرائيلي تحققه باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشيخ اسماعيل هنية في طهران ؟ ، فالتاريخ يُظهر أن الاغتيالات نادرا ما تحقق أهدافها، وغالبا ما تؤدي إلى تفاقم الوضع، مع عواقب وخيمة على مرتكبها.
نعلم أن الشيخ هنية شكّل تحدياً للاحتلال الإسرائيلي من خلال عمله السياسي، اذ أفنى حياته مجاهداً صلباً وسياسياً محنكاً، وقائداً مضحياً بنفسه وأبنائه وأحفاده، وكرّس جل عمله للقضية الفلسطينية وشعبه وأمته ، إلا أن اغتياله لن يغير آراء الشعب الفلسطيني المحتل، كما يتصور قادة الاحتلال ، وكذلك نعلم ان الاغتيال يعزز فكرة أن الكيان الإسرائيلي لن يحترم أي حقوق للفلسطينيين، ما يضمن استمرار الاستياء والمقاومة ، كما أن الغضب تجاه جريمة الاغتيال سوف يوحد الفلسطينيين أكثر ويحشد الدعم للمواجهة ، كما وندرك إن اغتيال القادة الفلسطينيين لا يمنح الكيان الإسرائيلي النصر العسكري، فهو لا يؤدي إلا إلى تأجيج الانتقام الفلسطيني ويخزن المزيد من المظالم للمستقبل.
هذا الاغتيال في نظري – قصير النظر في نهجه – يتجاهل دروس التاريخ ، إذ لم تحقق الاغتيالات الإسرائيلية السابقة – التي استهدفت الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وصالح العاروري وغيرهما من قيادات حركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين – أيَ أهداف استراتيجية، وبدلا من ذلك، عززت هذه القرارات التصميم الفلسطيني، ولم تقلل هذه التصرفات من روح الجهاد والمقاومة داخل حركات التحرر هذه، أو تضعف وجودها وتأثيرها في المجتمع الفلسطيني، على العكس من ذلك، أصبحوا أكثر شعبية بسبب تأثير الاستشهاد، وظهر زعماء جدد لمواصلة الجهاد، واشتدت دورات المقاومة.
إن الكيان الإسرائيلي، بإصراره على هذه السياسة العقيمة، يظهر فشله في التعلم من أخطاء الماضي، وعدم إدراكه بعد أن قتل القادة الفلسطينيين هو محاولة قصيرة النظر ومكشوفة للتغطية على فشله العسكري الكبير في غزة، فالاغتيال ليس سوى استعراض للقوة الجبانة، يصدر عمن يقاتل من وراء الجدران أو من الجو، سعياً إلى تحقيق نصر ضئيل مقارنة بهزيمته على الأرض.
من خلال ذلك ، ألم يكتف الكيان الإسرائيلي بقتل ١٦٢٠٠ طفلا ١٠٧٠٠ امرأة وما خفي أعظم، ومجموع عدد الشهداء وصل لحاجز الأربعين ألف شهيد، أي ما يعادل ١٤٢ شهيداً في كل يوم ، ألا ينبغي له أن يدرك أن وحشيته وإرهابه قد فشلا في إقناع الناس هناك بقبول القمع الذي يعانون منه ورفع راية الاستسلام؟
وأخيرا دعوني أقول ، إن اغتيال الشيخ اسماعيل هنية يصور الكيان الإسرائيلي وكأنه خاض للتو عملية طوفان الأقصى قبل ثلاثة أيام، وليس قبل ما يقارب تسعة أشهر ونصف ، إذ يبدو أن الاغتيال يلبي رغبةً فورية في الانتقام، وهذا يكشف بوضوح عن شعور بالهزيمة في غزة، وعن اعتراف ضمنيٍّ من الكيان الإسرائيلي بالهزيمة الذاتية.
بقي ان اقول : هل يستطيع الكيان تحقيق الأمن الحقيقي لليهود من خلال الاغتيالات؟ بالطبع لا، فالاغتيالات الماضية لم تولد سوى المزيد من الخوف بينهم، بدلا من إخماده ، ولذلك، فإن استمرار هذا النهج المضلل لا يمكن وصفه إلا بأنه حماقة سياسية فاضحة ، بل محاولة للاحتلال لإنجاز نصر موهوم ومؤشر واضح على عجز عسكري ذريع.
قال تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }
صدق الله العظيم