انا لا اعرف اسماعيل هنية معرفة مباشرة ولم يسبق ان التقيته الا ان لدي من الملاحظات والانطباعات والمعلومات التي نشرت عن هذه الشخصية وسماتها ما يكفي لازعم اني اعرفها بتيقن اكثر من كل اللاعبين على المسرح السياسي العلني والسري في الفضاء العربي والاسرائيلي الواسع.
مثل احمد ياسين والرنتيسي وكل الذين ارسلوا الى مرج الزهور في اعقاب الانتفاضة الأولى حمل اسماعيل هنية الفهم العضوي الصادق الصافي لطبيعة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي فلم تخدعه الوعود ولا الاتفاقيات ولم يدخل كامب ديفيد ويقيم في اوسلو فقد ايقن ومعه كل الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ان القضية لا تحتاج لكل هذه السفسطة ولا التعرجات التي اجبرنا على قبولها واستساغها البعض للدرجة التي اصبح لا يريدها ان تتبدل.
نعم، لقد آمن اسماعيل هنية ومحمد ضيف ويحي السنوار ومن قبلهم احمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وكل رفاقهم في المقاومة الشريفة ان فلسطين ارض لشعب تآمرت عليه الأمم وسلبته اياها وهي مستمرة في اخضاع ارادته وقتل طموحاته واذلاله بكل الوسائل والسبل.
مع كل ذلك تعمل ماكنة الاحتلال واصدقاءها الغربيين والعرب على اعادة تعريف المعرف بما يتماشى مع المخططات المعدة لاذلال الامة واهانتها وسلب كرامتها ووجودها ...فبالنسبة للاحتلال واعوانهم اصبح الفلسطيني الذي يعبر عن رفض هذا الواقع او مقاومة الاحتلال مجرما وارهابيا فهو مخيف ومقلق ومزعج ينبغي قتله او سجنه او ابعاده.
القواعد على الارض الفلسطينية يضعها من سلبوا الارض ومن قيدوا حرية الشعب وحطموا أحلامه وتدرجوا في ابادته على مرأى من امة عربية اعلنت معاداتها للمقاومة لتبرر تخاذلها ولشراء رضا الدوائر الغربية عن ممارستها .فتراوحت استجابات الانظمة بين بيانات الاستغراب والاستهجان العلنية ورسائل التواطؤ مع ما يجري سرا.
بعد هذه الملاحم البطولية لمقاومة شريفة ايقظت في ضمائرنا العزة المفقودة واحيت في نفوسنا ذكرى بطولات خالد وصلاح الدين وسعد بن وقاص وعزالدين القسام. وبعد ان اوصلوا المحتلين واعوانهم الى عتبات اليأس بثت الصحف والمواقع والدوائر المتآمرة اخبارا لتشويه صور القيادات السياسية للمقاومة الباسلة وفبركوا القصص التي تشكك في انهم يصلون الليل بالنهار من اجل إحياء الكرامة ودفع الظلم وردع العدو المتغطرس وتمريغ انوف قياداتهم بالوحل...
بعد كل هذا الجهد والعبث ومحاولات التشويه جاءت غارات الاحتلال على المخيم الذي تسكنه اسرة الشهيد هنية وارتقت ثلة من ابنائه واحفاده الذين قال المتخاذلون انهم في فنادق الدوحة ليسجوا في قبور غزة بين أهلهم وليحتسبهم القائد هنية عند الله دون أن تذرف عينه دمعة واحدة فكلهم فداء للقدس وهذه الحادثة براءة للرجل الشجاع المؤمن ليرى الاعداء والخصوم والأخوة الاعداء ان الله دائما مع الصابرين.
على خلاف كل ما يدور ارى ان رحيل الشهيد القائد اليوم تصعيد كبير وتاريخي للصراع فقد اضاف فصلا غنيا من البطولة والشهادة لا ولن تمحوه الأيام. ومنح رخصة جديدة مفادها ان كل شيء بعد اليوم مباح . وأضاف وزنا لحجم البطولات والتضحية التي قدمها اشراف الامة تذيب كل مواقف الخيانة والتخاذل والعمالة..
نعم، لقد فقدت الامة ورجالها الشرفاء اسماعيل هنية وعشرات الاف الشهداء وقدمت الغالي والنفيس لكن لا زال فيها يحي السنوار ومحمد ضيف وابو عبيدة و١٥٠ الف امرأة حامل برجال ونساء سيتعلمون كل الدروس التي صاغها ضيف والسنوار وابو عبيدة ...
لقد رفع اسماعيل هنية باستشهاده اليوم سقف التضحيات وأشادد مدماكا عاليا في البناء المعنوي للأمة...مدماكا سيخيف الاعداء واعوانهم والعملاء الذين يقلقهم ان تنتصر المقاومة فتعري خياناتهم...
الرحمة لروحك ايها الشهيد...الرحمة لروحك ايها البطل المعلم ...عاشت الامة عاشت فلسطين عاشت المقاومة.