إلى ما قبل أشهر معدودة، كان يمكن لخبر مقتل أسامة بن لادن أن يهز العالم العربي والإسلامي ويصبح أكثر الأخبار أهمية في الموسم، ولكن التحولات الجذرية التي تشهدها المجتمعات والأنظمة السياسية العربية جعلت من هذا الخبر اقل أهمية وربما متجها نحو النسيان خلال أيام معدودة.
الحكم النهائي على اسامة بن لادن يبقى عند الله سبحانه وتعالى، ولكن في أعراف بني البشر فإن الرجل مسؤول مباشرة عن مقتل آلاف الأبرياء من المسلمين وغير المسلمين، ومسؤول عن تشويه سمعة الدين الإسلامي في العالم أجمع، ومسؤول عن مصائب اجتماعية ومالية ومهنية واجهها مئات الآلاف وربما الملايين من المسلمين في مواقع تواجدهم في دول غير مسلمة تعرضوا فيها لمعاملات تمييزية بسبب ارتفاع منسوب العنف والخطاب التكفيري الذي دعمه بن لادن.
ربما كانت بداية اسامة بن لادن في الجهاد مثيرة للإعجاب، فالرجل ابن العائلة الثرية التي تعتبر في طليعة شركات المقاولات العربية ترك مهنته الناجحة لينسق العمليات التي قادها المجاهدون العرب في أفغانستان ضد الاحتلال والغزو السوفييتي وهو جهد تم بتنسيق من عدة أجهزة مخابرات عربية ودولية. ولكن نمط الحياة الذي نشأ في أفغانستان وطبيعة الفكر الجهادي الذي تطور اصبح يبحث عن استمرارية في التواجد وتم ذلك عن طريق ما يسمى التحالف الجهادي العالمي والذي وضع المصالح الأميركية والغربية نصب أعينه. ولكن السنوات العشرين التي شهدت «الجهاد» من قبل تنظيم القاعدة ضد «المصالح الغربية» شهدت ايضا مقتل الآلاف من المسلمين وغير المسلمين من الأشخاص الأبرياء في بيوتهم ومواقع عملهم التي يجب أن تكون آمنة، كما شهدت العمليات الإرهابية مقتل عشرات الأطفال ايضا والذين تم تبرير مقتلهم باستخدام تأويلات متطرفة للنصوص الإسلامية بأنهم أهداف جانبية مشروعة في حال كان الهدف الأكبر هو الكفار أو الملحدين!
ربما سيحزن الكثير من المسلمين المؤمنين بالجهاد أو المعجبين بما قام به بن لادن على مقتله، ولكن الغالبية العظمى من المسلمين لن تفتقده وسوف تجد أن العالم بدون بن لادن هو مكان أفضل. ليس من السهل تحليل آثار مقتل بن لادن على فعالية تنظيم القاعدة ولكن لا شك أن «القاعدة» لم تعد تنظيما ذا بنية مؤسسية محددة بل هو فكر متطرف وتكفيري كان يحظى بقبول وجاذبية لدى نسبة من المسلمين ولكن هذه النسبة في تراجع مستمر ومن المتوقع أن التحولات الجديدة في العالم العربي المتجهة نحو الحرية والديمقراطية ومفاهيم المواطنة والدولة المدنية قد تحد من جاذبية الخطاب التكفيري، وإن كان من المتوقع أن تحاول خلايا القاعدة تنظيم عمليات إرهابية مستعجلة خلال الأيام والأسابيع القادمة كإجراءات انتقامية.
بن لادن صفحة من الماضي، طويت فعليا منذ عدة سنوات ولكن المصير النهائي كان قبل يومين وعلى العالم العربي أن ينظر إلى المستقبل ولا يكرر نفس الأخطاء في احتضان تنظيمات متطرفة ذات خطاب عدائي مع العالم وتشوه صورة الإسلام والمسلمين فنحن جزء من البشرية نعاني من الاحتلال الاجنبي والاستبداد والفساد المحلي ولا سبيل لمواجهة هذه التحديات إلا تطوير منهج حياة ديمقراطي يتناسب مع العالم الجديد ولا يمكن أن ننجح في حال وضعنا أنفسنا في معاداة أكثر من 5 مليارات شخص من غير المسلمين، وعلينا أن نكون أول من يطوي صفحة بن لادن وعدم السماح بظهور بن لادن أو زرقاوي جديد والتفكير في مستقبل أفضل لأبنائنا.
batirw@yahoo.com
(الدستور)