بينما ينتظر لبنان قصفاً آخر، قنابل إضافية، بينما يشيح العالم نظره طوعا وكرها عن مأساة غزة وما حولها، ويغيب ويُغيّب صوت العقل والحكمة في الدول التي تملك أمر هذا العالم، بينما يتلاعب زعيم الحقد الاسرائيلي بممثلي الشعب الأمريكي بسهولة ويسر، كما لوكان قد ألقى على وجوههم صنفا غريبا من مذهبات العقل، ودفعهم لنوبات من هستيريا التصفيق ليلقي في ذلك، بما تبقى لهم من حصافة واتزان، في مستنقع القبح، ويمرغ ما بقي لهم من حِلم وتوقير، بوحل الخسة والنذالة والإنحطاط.
بينما لا يسمع أحد أنين شعب يُصلى بالقذائف والنار والبارود منذ مئتين وسبعين يوما تنقص أو تزيد، وقد وضعته قنابل الجمهوريين والديمقراطيين وصواريخهم على حد سواء تحت الإبادة، بينما يغلق الأمريكيون جداً آذانهم سوى عن دموع التماسيح التي يذرفها النازيون، ويتجاهلوا أنين الناس الجوعى والمرضى والمشردين، بينما ذلك كله، يقترف ساكنو مبنى الكابيتول الأمريكي الذي ظل زمنا طويلا رمزا سياسيا افترض الناس فيه، جهلاً وتدليسا، الإعتدال والحكمة والموقف الوازن الحصيف، خطيئة كبرى، وملهاة كشفت عورات الساسة، حينما منحوا قائد حملات الإبادة في غزة، منبراً لتسويق الأكاذيب ومنصة لتكريس خطاب الكراهية للعرب والمسلمين.
في الحقيقة فإن ثمة وأصوات حرة جريئة تأبى استمرار القتل وتأنف من تزوير الحقائق وتشويهها، حين تغيّب ما يقرب من نصف الديمقراطيين في مجلسي النواب والشيوخ عن خطاب الكراهية بينهم رئيسة مجلس النواب السابقة، لكنه موقف غير كاف وغير مقبول، ومع أننا نعي ويعي العالم العارف بتاريخ الإنتخابات في الولايات المتحدة، حاجة أعضاء الكونغرس إلى الصوت اليهودي وإلى المال اليهودي لضمان وصولهم لمؤسسات التشريع الأمريكية، فإن من أدنى مبادىء الإنسانية أن ترتفع أصوات العقلاء بوقف هذه الإبادة، على الرغم من أن هذه التقاليد القبيحة قد قامرت على مر التاريخ بمواد الإعلانات العالمية والأمريكية التي تعبأت بالحديث عن حقوق الإنسان، وألقت وتلقي دوما، ورقة التوت عن عورات السياسة الكاذبة التي تلبس دون خجل ثياب المنافحة عن حق الناس في العيش وفي الخبز والأمن، في مشهد يجب أن يكون واضحا ومكشوفا في عين كل من لايزالوا، مخدوعين بجبال الأكاذيب التي يسوقها ساسة الأمريكان ودهاتهم.
تحت قدمي رائد القتل وعرّاب الإبادة، رمى النواب والشيوخ بمبادىء الولايات المتحدة، على منصة الكونغرس، قريبا من تمثال الحرية الصامت، صفّق دعاة الكذب وروّاد التدليس لقاتل أولغ في دماء الأطفال والنساء، لقد منحوه فرصاً دنيئة للتلاعب بالمعلومات وتسويق وجهة نظر القاتل بموازاة صم الآذان عن صمت القتلى وأنين المشردين، في مشاهد تمثيل قاتمة ستعصف بالعالم كله، مبادئه وأخلاقه، حضارته وتمدنه، وستعصف بكل امتداد الزيف والكذب والإفتراء.
أي انحدار وصلته مواقف الأصدقاء والأشقاء في السكوت عن المجازر التي تحصد أرواح الناس وتحصد فيما تحصد، قواعد العدل وحق الناس في خبز وخيمة، أي تخاذل وأي عجز ووهن وإفلاس، ذاك الذي تسجله كل يوم مواقف التقاعس وبيانات الصمت المريب.
إن ما يجري اليوم من قتل وتشريد، لا يشبه في التاريخ سوى غزو المغول لبغداد، يوم أن كتبوا بالسيوف وأسنة الرماح، فصلا جديداً في كتاب الخذلان….