هل أخفق التشريع الأردني في تنظيم وسائل الصحافة والإعلام؟
د. أشرف الراعي
30-07-2024 11:01 AM
ربما سيكون هذا المقال أكثر تخصصية وعلاقة بالمشهد القانوني المتعلق بوسائل الصحافة والإعلام، وقد سبقه نقاش طويل بيني وبين عطوفة مدير عام هيئة الإعلام بشير المومني، وفي فترات سابقة مع نقيب الصحفيين راكان السعايدة وعدد من الزملاء في الهيئة العامة من جهة وفي مجلس نقابة الصحفيين من جهة أخرى، فضلاً عما كتبتُ شخصياً من مقالات، وما أصدرتُ من أبحاث وأوراق نقاشية أطالب بتطبيقها منذ ما يربو على 20 عاماً "من دون أن تجد آذاناً صاغية على أهمية مضمونها"، مع مقارنته بواقع التشريعات الإعلامية في العديد من الدول العربية، والأجنبية.
لكننا في الأردن واليوم وفي ظل الثورة الرقمية علينا أن نعترف بما لا يدع مجالاً للشك في أننا تأخرنا كثيراً في ضرورة تطوير الواقع التشريعي المتعلق بوسائل الصحافة والإعلام، وهو أمر أضعه -كمتخصص- بين أيدي المسؤولين- إن كان هناك من يمكن أن يستمع لمثل هذه الدعوات- في ظل حالة الغياب عن واقع الصحافة والإعلام كقطاع استراتيجي لا بد من إنقاذه من التغول الواقع عليه من صناع المحتوى، ومن يسموا بـ "المؤثرين"، فضلاً عن ضبط حالة الانفلات التي يشهدها الواقع الإعلامي مع انتشار المنصات الرقمية، ومواقع التواصل الاجتماعي، وكيانات الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، وغيرها الكثير.
أما أول ما يمكن الإضاءة عليه؛ وهنا – سأستخدم مصطلحات قاسية نوعاً ما – بأن المشرع الأردني في قانوني نقابة الصحافيين والمطبوعات والنشر – غير الصالحين للتطبيق برأيي المتواضع في عصر الرقمية – قد "أخفق" في تعريف الصحافي؛ فالصحافي بالمطلق يستحيل اليوم أن يكون هو عضو النقابة المسجل، واتخذ الصحافة مهنة له، والإجابة على ذلك تقتضي البحث في التطور الذي شهدته هذه المهنة، لذا لا بد من إدماج مصطلح "الإعلامي" وتنظيم "صانع المحتوى" وأن تأخذ النقابة زمام المبادرة في ذلك بمنع التغول على المشهد الصحافي وضبط المؤسسات الصحافية والإعلامية التي تُشغل أشخاصاً لا ينتمون للنقابة لا تدريباً ولا ضمن قائمة الصحافيين المشتغلين وكل ذلك بسبب الشروط التعجيزية أحياناً في قانون النقابة، وهو أمر يطول في هذه القضية وقد ناقشتُه سابقاً في مئات الحلقات النقاشية، مع متخصصين، لكن النقاش – للأسف يذهب دوماً – أدراج الرياح، لأن لا أحد يريد تغيير هذا الواقع لأسباب شخصية أحياناً، مع عجز عن المواجهة في أحيان أخرى.
ثانياً؛ أعلنت هيئة الإعلام قبل أيام توزيع بطاقات على العاملين في العمل الإعلامي والمواقع الإخبارية – وهي خطوة تشكر عليها – خصوصاً مع انتشار الميكروفونات في شوارعنا من قبل "جوقة" من "المؤثرين" وصناع المحتوى الذين يهرفون بما لا يعرفون والذين يمكن لهم أن يؤثروا على بلدنا وينقلون صورة سيئة عنها، لا بل إن بعضهم أو بعضهن قادمون من الخارج لأجل هذه المهنة وتعبئة جيوبهم بالدنانير، فيما يبث آخرون من خارج البلاد فقط من أجل الإساءة إلى الوطن، ومنجزاته، ومقدراته، في إساءة واضحة لحرية التعبير عن الرأي المكفولة بنص المادة 15 من الدستور الأردني والتي ضبطها بضرورة الالتزام بالقانون وعدم تجاوزه، ونظمها في أكثر من تشريع، لا بل العودة إلى العهود والمواثيق الدولية تلزم الصحافيين والإعلاميين ومن يعبرون عن آرائهم بالالتزام بحدود القانون وعدم التغول عليه والحفاظ على الأمن والسلم في مجتمعاتهم.
ثالثاً؛ يوجد أكثر من 30 قانوناً تتعلق بشكل مباشر وغير مباشر بالعمل الصحافي والإعلامي، وهذه القوانين جميعها تؤثر في مستوى الحرية صعوداً وهبوطاً لا بل أن ثغراتها تستغل أحياناً من قبل الصحافيين والإعلاميين وصناع المحتوى على حد سواء، والحل يكمن هنا – برأيي المتواضع – في أن تتعاون الهيئة مع النقابة مع المتخصصين في إعداد مشروع قانون حضاري يعرف الصحافي والإعلامي وصناع المحتوى بشكل واضح، ثم يلزمه بإجراءات تسجيل معينة – كما هو الحال في الدول المتقدمة – ثم إخضاعه لنصوص قانونية – خاصة – تتعلق بعمله، انطلاقاً من أن "الخاص يقيد العام"، كما هو الحال بالنسبة للعديد من الدول مع تعزيز مفهوم الحرية وأهمية النقد للمصلحة العامة، وتكريس شروطها المتمثلة في أن يكون النقد لواقعة صحيحة وبعبارات ملائمة وأن يكون الهدف منه الحفاظ على المجتمع وحمايته.
وقبل كل ذلك، علينا أن نعترف بأن إدارة المشهد الإعلامي والصحافي اليوم أنتجت صحافيين لا يجدون عملاً، وآخرون ينتفعون من أجل الحصول على المال ليعتاشوا، كما علينا أن نعترف بان الواقع التشريعي فيما يتعلق بوسائل الإعلام ليس في أفضل حال بسبب تناقض النصوص القانونية وتضاربها ونسفها أحياناً لمبادئ الخطة التشريعية التي ينتهجها المشرع الأردني في هذا السياق، وكل ذلك في النهاية لا يصب في صالح الوطن وخيره ورفعته وازدهاره... حمى الله الأردن.
Ashrafraie@gmail.com