في عصر الرقمنة .. التغيير الجذري أو الاختفاء التدريجي
محمود الدباس - ابو الليث
29-07-2024 08:37 AM
أثار شجوني الرجل الاقتصادي والاستشرافي الدكتور خالد الوزني بنشره لمقال بعنوان: "التجارة الرقمية، من لا يتطور ينقرض".. فاحببت التركيز على هذا الموضوع الذي اصبح واقعاً معاش..
ففي خضم تسارع الأحداث وتغيير معطيات السوق أصبحت التجارة الرقمية ضرورة لا بد منها للبقاء والتطور..
ووفقاً لتقرير "Global eCommerce Market Report 2024".. وتقرير "Statista Digital Market Outlook 2024".. وتقرير "eCommerce Europe Report 2024".. وبيانات "Forrester Research".. والتي تشير إلى أن التجارة الإلكترونية تجاوزت عتبة 6 ترليون دولار على مستوى العالم.. مع تسجيل نمو يفوق 20% سنوياً في السنوات الأخيرة.. هنا.. يجب أن نتوقف لنسأل.. كيف يمكن للتجار التقليديين البقاء في ظل هذا التحول الرقمي الجارف؟!.. فالتنين الصين يسيطر على نصف هذا السوق تقريباً.. تليه الولايات المتحدة بنسبة تقارب 17%.. بينما تتضاءل نسب الدول الأخرى بشكل متفاوت.. هذا الواقع يفرض على التجار التقليديين مواجهة التحديات بواقعية وحكمة..
علينا ان نعي بان التحول الرقمي ليس مجرد رفاهية.. بل هو شرط أساسي للبقاء في المنافسة.. فالتجار الذين ينتظرون الزبائن في محالهم التقليدية.. سيجدون أنفسهم أمام واقع جديد.. حيث يتفحص الزبائن النوافذ أكثر مما يشترون.. وفي المقابل.. من يستثمر في التجارة الرقمية.. يفتح لنفسه آفاقاً واسعة للوصول إلى أسواق عالمية جديدة.. وتحفيز المستهلكين على الشراء عبر منصات مثل أمازون وعلي بابا..
ولكن.. هذا التحول يتطلب استثمارات كبيرة في التكنولوجيا.. والتدريب.. والبنية التحتية الرقمية.. ما يشكل تحدياً حقيقياً للتجار الصغار.. والذين قد يفتقرون إلى الموارد اللازمة لذلك..
التحديات لا تتوقف عند الجوانب المالية.. بل تشمل أيضاً القدرة على التكيف مع التقنيات الجديدة.. وفهم متطلبات السوق الرقمي.. لذلك نجد ان التجار التقليديون.. بحاجة إلى تطوير استراتيجيات مبتكرة.. للاستفادة من الفرص التي تتيحها التجارة الرقمية.. ويمكنهم البدء بتعزيز وجودهم عبر الإنترنت.. من خلال إنشاء مواقع إلكترونية.. واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتسويق والترويج.. كما يمكنهم الاستفادة من منصات التجارة الإلكترونية القائمة.. للوصول إلى جمهور أوسع.. دون الحاجة إلى استثمارات ضخمة..
لنأخذ مثالاً على ذلك.. قصة نجاح محل صغير لبيع الزهور في إحدى المدن الاردنية.. هذا المحل قرر صاحبه أن يواكب العصر.. ويفتح نافذة رقمية لبيع الزهور عبر الإنترنت.. وبالرغم من قلة الموارد.. استطاع من خلال موقع إلكتروني بسيط.. وصفحة نشطة على وسائل التواصل الاجتماعي.. أن يصل إلى شريحة واسعة من العملاء.. ليس فقط في عمان.. بل في مدن أخرى.. اليوم.. هذا المحل الرقمي.. يحقق مبيعات تفوق ما كان يحققه في متجره التقليدي بثلاثة أضعاف..
وفي المقابل.. هناك العشرات ممن رفضوا التحول الرقمي.. وأصروا على الطرق التقليدية في البيع.. وبمرور الوقت.. تراجع عدد زبائنهم بشكل كبير.. واضطروا في النهاية إلى إغلاق أبواب محلاتهم.. بعدما عجزوت عن منافسة المتاجر الرقمية.. التي تقدم نفس المنتجات بأسعار أقل وبخدمات توصيل مجانية..
وفي معرض الحديث عن وجوبية التحول الرقمي.. لا يفوتنا التنبيه الى ان بعض انواع الصناعة والتجارة التي تتطلب تفاعلاً جسدياً.. مثل تصنيع المعدات الثقيلة.. أو الصناعات الكيميائية.. قد تواجه صعوبة في التكيف الكامل مع التجارة الرقمية.. بسبب تعقيد المنتجات وحجمها... كما أن صناعة وتجارة المنتجات الثمينة.. تحتاج إلى تفاعل مباشر مع العملاء لضمان الجودة والدقة.
مع ان هناك تجارب على نقل الاحاسيس عبر وسائل الاتصال.. ومنها نقل الروائح.. الامر الذي سيقلل من هذه الصعوبات.. الا انها تحتاج وقتا اكبر للتحول من غيرها.
هنا لا بد من القول.. إن التجارة الرقمية ليست مجرد نزعة عابرة.. بل هي مستقبل التجارة العالمية.. وعلى رأي استاذنا الاقتصادي د. خالد الوزني "من لا يتطور سينقرض".
ولكن مع التخطيط السليم.. والاستثمار في التكنولوجيا.. يمكن للتجار التقليديين.. تحويل التحديات إلى فرص حقيقية للنمو والازدهار، فالتحول الرقمي يتطلب رؤية واضحة.. وإرادة قوية.. ولكنه يحمل في طياته إمكانيات لا محدودة للنجاح في عالم اليوم الرقمي.