الذكاء الاصطناعي والقضاء مع القاضي الدولي تغريد حكمت
السفير الدكتور موفق العجلوني
28-07-2024 11:46 AM
* عضو المحكمة الدستورية
في المؤتمر الدولي الذي نظمته كلية الحقوق في جامعة اليرموك بعنوان: الثورة الصناعية الرابعة من منظور قانوني (التحديات والحلول) ، اطلت علينا القاضي الدولي تغريد حكمت بتواضعها الجم حيث يصعب حقيقة الحديث اولاً عن هذه الشخصية الأردنية العربية المسلمة الانسانة العصامية التي تلقت علومها في المدارس الاردنية لتلتحق في جامعة دمشق العريقة في مجال القانون، وانطلقت في مواقع كثيرة وواجهت ادهى التحديات كفتاة اردنية اصيلة حتى وصلت الى أعلى المناصب الدولية في مجالات القضاء و القانون . تعد القاضي الجنائي الدولي تغريد حكمت، الشخصية البارزة في عالم القانون الجنائي الدولي، حيث أثرت تجربتها وإسهاماتها البارزة في عدة مجالات قانونية على مستوى العالم.
ترأست تغريد حكمت هيئة المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، وقادتها خلال فترة تاريخية حرجة ومعقدة بمهنية ونزاهة بمساهماتها في مجال القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان.
حاكمت كبار المسؤولين القادة العسكريين الذين أعطوا الأوامر بارتكاب جرائم الإبادات الجماعية والتي كان ضحاياها حوالي المليون خلال مائة يوم.
تلقت القاضي تغريد حكمت العديد من الجوائز والتكريمات التي تؤكد على تفوقها وإسهاماتها القيمة، منها جائزة نوبل للسلام 2005 . والعضوية الشرفية العليا للمنظمة العالمية لحقوق الإنسان. والدكتوراة الفخرية من Common Wealth University .
وأسهمت في صياغة القوانين والسياسات التي تؤثر على حياة الناس عندما كانت عضوا في مجلس الأعيان وكيف انتقلت من مطبق للقانون محام وقاض اكثر من عشرين عاما إلى مشرع في مجلس الأعيان .
تُعتبر مؤلفات القاضي تغريد حكمت في مجال القانون والقضاء من المراجع المهمة التي تستفيد منها الجامعات والمؤسسات القانونية حول العالم.
قدمت القاضي تغريد حكمت العديد من المحاضرات القيمة في مؤسسات تعليم القانون والقضاء البارزة، في جامعة هارفارد وWest Point Military وفي الفاتيكان وجامعة كولمبيا وكوريا الجنوبية وعدد من الدول الأخرى.
القاضي حكمت في بداية اطلالتها وبدعوة خاصة من عطوفة رئيس جامعة اليرموك الأستاذ الدكتور اسلام مساد، والذي جذبت انتباه كافة الحضور حيث كانت قاعة جامعة اليرموك تغص بالحضور من مدعوين من الدول الشقيقة والصديقة والأساتذة الكبار في جامعة اليرموك والجامعات الأردنية و طلبة الحقوق و الطلبة من مختلف الكليات . أطلقت القاضية بكل اريحية وابتسامة غامرة امام جمهور الحاضرين الأسئلة التالية والتي تحتاج الى ندوات ومحاضرات وأساتذة في القانون وخبراء في الذكاء الاصطناعي للإجابة عليها:
كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تغيير الطريقة التي يعمل بها المحامون والمحكمون في المستقبل؟
أسئلة هامة وغير مسبوقة وشمولية تحتاج الى وقفات ووقفات. ومن هنا اكدت القاضي حكمت انه لا بد من إعادة التأكيد على أهمية التوازن بين التطور التكنولوجي والأخلاقيات في استخدام الذكاء الاصطناعي في القضاء، وتأثير ذلك على المجتمع والنظام القانوني بشكل عام.
يشهد العالم ثورة تقنية هائلة وتطورات متسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي تثير مخاوف جمة حول مخاطرها على مستقبل البشرية. و هناك عدة تحديّات تواجه البشرية في هذا المجال اهمها :
• غياب القوانين والأخلاقيات.
• عدم إخضاع هذه التطورات للقوانين الدولية والوطنية.
• عدم إخضاعها لأخلاقيات استخدام التكنولوجيا.
الامر الذي يفضي إلى استخدامات غير شرعية أو متحيّزة ومسيئة أحيانا. ولأن الذكاء الاصطناعي يمثل شكلا من أشكال الطفرات العلمية فإنه غير منضبط حتى الآن، ويخشى من استخدامه بشكل غير مسؤول مما يؤدي إلى نتائج كارثية. ولا بد من الاشارة هنا إلى الفجوة الرقمية التي تزداد بين الدول المتقدمة والنامية وبين الأغنياء والفقراء مما يسبب أزمة معرفية بين من يمتلك التكنولوجيا ومن لا يمتلكها.
من جهة أخرى الذكاء الاصطناعي يُحدث تحولاً تدريجياً في حياة الناس اليومية ويسّهل المهام البسيطة والمعقدة لكنه يعتمد على الأحكام البشرية المسبقة التي تتضمن كم هائل من المعلومات، لإنه يستقي معلوماته من الإنترنت والمواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي.
قد يتعلم الروبوت ويقلد التميز من الإنسان الذي ابتكر من البيانات التي تم تدريبه عليها , لكن الانطباع الذي يتركه الذكاء الاصطناعي من هذه المعلومات قد يكون خادعاً لأن برامجه مجرد آلات قائمة على منطق الرياضيات تتنبأ بالأكثر احتمالا لأنها لا تدرك ما تعرفه أو لماذا تعرفه.
في ضوء ما تقدم و السؤال الأهم، حيث تشير القاضي حكمت الى موضوع حساس و خطير و يحتاج الى وقفة و تمعن :
هل في يوم من الأيام يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل القاضي؟
تقول القاضي حكمت: " تملك الصين على سبيل المثال أكثر من 100 روبوت موّزع في المحاكم في جميع أنحاء البلاد. في ظل سعيها الحثيث للتحول إلى القضاء الذكي Intelegance Judiciary . صحيح بإمكان الروبوت أن يسترجع بيانات القضايا والأحكام الماضية ويساهم بالحدّ من الأعباء على الموظفين. حتى إن بعض الروبوتات متخصصة في القانون التجاري أو النزاعات المرتبطة بالعمل. حيث تلجأ المحاكم الصينية إلى الذكاء الاصطناعي A.I للتدقيق في الرسائل الخاصة أو التعليقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي يمكن استخدامها كدليل في المحكمة. كما أنه ممكن لشرطة المرور أن تلجأ إلى تقنية الذكاء الاصطناعي للتعرف على الوجه من أجل تحديد مرتكبي الجرائم وإدانتهم .
يقول ( تشوكيانج ) رئيس محكمة الشعب العُليا الصينية الذي يؤيّد إعتماد الأنظمة الذكية في هذا السياق : "من شأن تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في المجال القضائي أن يزوّد القضاة بموارد مذهلة. إلا أنه غير قادر على الحلول مكان خبرة القضاة". في الصين، كان آخر ابتكار روبوت بدماغ بشري من خلال استخدام الخلايا الجذعية .
حقيقة ، باستطاعة الذكاء الاصطناعي إنجاز المهام بدقة وسرعة ليس لها مثيل عند الإنسان لكن ما زال من غير المؤكد أن هذه التقنيات ستنتشر على نطاق واسع، ولا يزال اليوم الذي ستتحول فيه التكنولوجيا إلى قاضٍ يحدد السلوك الإنساني الجيد والسيء ويقرر العقوبات بعيداً في المستقبل . ولكن يترتب على ذلك عدة أسئلة منها:
• هل يمكن للذكاء الاصطناعي في يوم من الأيام إتخاذ قرارات أفضل من قرارات البشر؟
• من سيؤدي الدور الإشرافي على الذكاء الاصطناعي للتأكد من خلو القرارات من العيوب؟
من هنا يحذر المراقبون الأكثر حيطة من أنظمة القضاء الاصطناعي أنه ما زال من غير المؤكد أن هذه التقنيات قد تنتشر على نطاق واسع. وكيف ستقوم الحكومات والهيئات القضائية المختلفة باختيار أساليب مراقبة استخدامها .
حقيقة تضيف القاضي حكمت، أنه لا يزال اليوم الذي ستتحول فيه التكنولوجيا إلى قاض يحدد السلوك الإنساني الجيد والسيء ويقرر العقوبات المناسبة بعيداً في المستقبل. بنفس الوقت لا نستطيع ان ننكر أنه يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقوم بأكثر من مجرد التدقيق عبر كميات كبيرة من البيانات وقادر على تطوير مهارات ادراكية والتعلم من أحداث وقضايا سابقة. ولكن بالمقابل:
• هل يمكن للذكاء الاصطناعي في يوم من الأيام إتخاذ قرارات أفضل من قرارات البشر؟
• هل يمكن أن يحل محل المحامي والقاضي في المحكمة؟
ومن هنا يتبادر الى الذهن هل يفيدنا الذكاء الاصطناعي في تطوير النظام القضائي. من سيؤدي الدور الإشرافي على الذكاء الاصطناعي للتأكد من خلو القرارات من العيوب مثل محاكم الاستئناف والتمييز.
في الواقع، يمكن مشاهدة العديد من مكاتب المحاماة حالياً يستخدمون الذكاء الاصطناعي في أعمال متعلقة بإجراء الأبحاث وحساب الفواتير، لكن لا يولون اهتماماً بالتحول الكبير الذي يحدث في مجال المحاماة والقضاء. وبالتالي من المتوقع أن تختفي العديد من الوظائف القانونية عند المحامين والقضاة بحلول العقد القادم. ومن أهم الوظائف التي ستختفي: المساعد القانوني والباحث القانوني.
بالمقابل يساعد الذكاء الاصطناعي في سرعة البحث ، مما يساعد في تخفيف الأعباء على النظام القضائي. بنفس الوقت، يمكن توكيل بعض المهام الإضافية للذكاء الاصطناعي مثل مقابلة العملاء وجمع المعلومات منهم.
يرى علماء النفس أن الإنسان قد يكون صادقاً وأكثر حريّة عندما يتحدث إلى (الآلة) الروبوت لأن الآلة لن تحكم عليه. ولكن بطبيعة الحال لن يحل الذكاء الاصطناعي محل كل وسائل جمع المعلومات، فأحياناً تكون المناقشات أكثر فعالية. ويساعد الذكاء الاصطناعي في ذلك من خلال عمليات الاستجواب والمناقشات في تقصي ردود أفعال الشهود والمجرمين في كل مرة يتحدثون فيها ومقارنة ذلك للوصول إلى أفضل نتيجة.
بناءً على ذلك، المستقبل للشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي مع كل هذه الميزات والتطورات في قاعة المحكمة، إلا انه من الصعب تخيّل كيف يمكن استبدال المحامين بالذكاء الاصطناعي (الروبوت) في الوقت الحالي ...!!! لأن قدرة الإنسان الفريدة على خلق التعاطف مع المحلّفين والقضاة لا غنى عنهم في المداولات القانونية. قد يعزز الذكاء الاصطناعي عملية صنع القرار القضائي لكن من غير المرجح أن يحل محل القضاة بشكل كامل في المستقبل المنظور . وحتى الآن نماذج الذكاء الاصطناعي مثل GPT-3.5 غير قادرة على العمل كقضاة في المحاكم.
تتطلب الإجراءات القانونية فهماً دقيقاً للقوانين المعقدّة والسلوك البشري والأخلاق والسوابق القضائية. ولا يستطيع الذكاء الاصطناعي حالياً تفسيرها أو تطبيقها بطريقة شاملة. قد يحتاج القضاة إلى اتخاذ قرارات ذاتية بناءً على المبادئ القانونية والأعراف المجتمعية والظروف الفردية. وهي مهام لا يكون الذكاء الاصطناعي GPT-3.5 جاهزاً للتعامل معها بسبب قيودها في الفهم السياقي والتفكير الأخلاقي.
حتى الآن لم يتم استخدام الذكاء الاصطناعي GPT كقضاة في المحاكم إذ تتطلب القرارات القضائية فهماً معقداً للقانون والأخلاق والسلوك البشري. وهي مجالات تجعل الذكاء الاصطناعي يفتقر إلى الحكم الدقيق والقدرة على تفسير الظروف الخاصة للقضية تحقيقاً للعدالة.
ماذا لو تم استبدال القضاة يوماً ما بالروبوت؟ تجيب القاضي حكمت بالقول :
يقول عميد كلية الحقوق في كاليفورنيا Song Richardson الاتجاه لاستخدام الذكاء الاصطناعي في النظام العدلي ليس عدلاً.
وأنا كقاضي وطني ودولي أرى أن القاضي يجب ان يمتلك حس العدالة لأنه مهما كان القانون جامداً لا يوجد نص لا يحتمل التأويل أو التفسير. وتطبيق القانون بإنسانية. هل يستطيع الذكاء الاصطناعي القيام بذلك؟
لن يكون أبداً بديلاً عن القاضي. وانا أرى ان المفروض إذا تم استئناف قرار اتخذه الذكاء الاصطناعي يجب نقل ملفّ القضية إلى محكمة أعلى ومعالجة هذه القضية من قبل الذكاء البشري. لو قبلنا بموثوقية الذكاء الاصطناعي فيجب عدم إهمال العنصر البشري من منطلق قانوني وأخلاقي.
وخلاصة القول حسب ما خلصت الية القاضي حكمت:
يمكن أن نصل الى توافق مفاده، أن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة لتحسين الكفاءة والعدالة في القضاء، مع الحفاظ على التوازن بين التقنية والقيم الأخلاقية والقانونية. استخدام الذكاء الاصطناعي في القضاء يمكن أن يشكل تحولًا إيجابيًا للمجتمعات والأنظمة القانونية إذا تم تنفيذه بحذر وبناءً على أسس قوية ومتوازنة. ويعتبر استخدام الذكاء الاصطناعي في القضاء فرصة مهمة لتحسين الكفاءة وتوفير الوقت، لكنه يتطلب أيضًا توازنًا دقيقًا بين الابتكار التقني والحفاظ على القيم والمبادئ الأساسية للعدالة والأخلاق في النظام القانوني.
لا يستطيع المرء و هو يستمع لعطوفة القاضي الدولي عضو المحكمة الدستورية تغريد حكمت، الا ان يقف اجلالاً و اكباراً و تقديراً و احتراماً واعتزازاً بهذه السيدة الأردنية الجليلة و التي مثلت الاردنيات و الأردنيون والعرب والمسلمين والمجتمع الدولي الإنساني وعلى كافة المنابر و المحافل الدولية في خدمة العدالة و حقوق الانسان ، وها هي اليوم تتابع عن كثب التطورات العالمية وخاصة الذكاء الاصطناعي وارتباطه و تأثره إيجابا و سلباً بالذكاء الاصطناعي و تكنولوجيا المعلومات .
نبتهل الى الله العلي القدير ان يديم الصحة والعافية والعمر المديد لعطوفة تغريد حكمت " ام يزن "، والمزيد المزيد من العطاء والتوفيق والنجاح والرعاية الالهية.
وكما يقول المثل، وراء كل رجل عظيم إمراة ...!!! وأنا اضيف وراء كل إمراة رجل عظيم، فتحية خاصة لعطوفة أبو يزن ، ندعوا الله له بالصحة والعافية والعمر المديد.
* المدير العام / مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية
muwaffaq@ajlouni.me