في خضم صرخاتنا ضد الفساد، وتتعالى أصواتنا تطالب بمحاربة الفساد والظلم، ننغمس أحياناً في تجاهل واقعنا الداخلي، الذي يعكس فساداً أعمق من ذلك الذي نقاومه، إن دعوتنا لمكافحة الفساد في المؤسسات تستدعي منا وقفة صادقة مع الذات، لتقييم مدى نقائنا الداخلي ومدى التزامنا بقيم النزاهة والشفافية التي ننادي بها، فالفساد ليس مجرد ظاهرة خارجية، بل هو جزء من كياننا الداخلي. نحن فاسدون من الداخل، ليس بسبب قوى خارجية تفرض علينا الفساد، بل بسبب ضعفنا البشري والطبيعة الإنسانية التي تميل أحيانًا إلى الأنانية والجشع وهذه الحقيقة تتجلى في كل جانب من جوانب حياتنا.
نعلم جميعاً أن الفساد ليس مجرد تصرفات فردية بل هو منظومة متكاملة تشمل أفكاراً وعقليات مترسخة، لكننا في أحيان كثيرة ننسى أن الفساد يبدأ من الداخل. فهو ليس حصراً على المحسوبية أو الرشوة، بل يشمل أيضاً الخداع والتلاعب واللامبالاة التي قد نتبناها دون وعي، يبدأ الفساد الداخلي من اللحظة التي نتخلى فيها عن قيمنا ومبادئنا لصالح مكاسب شخصية، عندما نختار الطريق الأسهل على حساب الطريق الصحيح، عندما نغض الطرف عن الظلم لأننا نخشى المواجهة، وعندما نبرر أفعالنا الخاطئة بحجج واهية، نحن نمارس الفساد بأساليب قد تبدو صغيرة ولكنها خطيرة، مثل التهاون في الأمانة أو قبول التلاعب بالقوانين لصالحنا.
إن تصرفاتنا اليومية تعكس هذا الفساد الداخلي، فنرى أنفسنا نطالب بالعدل في الساحة العامة بينما نتغاضى عن تطبيق العدالة في دوائرنا الشخصية، نرفع شعار الشفافية ولكننا نغض الطرف عن ممارساتنا التي قد تكون مبنية على المجاملات أو المحاباة. في حقيقة الأمر، نحتاج إلى مواجهة أنفسنا بجرأة، وأن نعترف بوجود تلك التصرفات التي قد تبدو بسيطة، لكنها تسهم في تعزيز ثقافة الفساد التي نرفضها.
الشفافية الحقيقية تبدأ من الذات، ولا يمكننا أن نطلب الإصلاح من الآخرين بينما نغفل عن إصلاح أنفسنا، إن مسألة الإصلاح لا تعني فقط تحسين السياسات والقوانين، بل تتطلب أيضاً التزاماً حقيقياً بمبادئ النزاهة داخل كل فرد، يجب أن نسأل أنفسنا: هل نحن نطبق ما نطالب به في حياتنا اليومية؟ هل نحن نموذج للنزاهة والصدق، أم أننا نسمح لأنفسنا بالتحايل على المبادئ التي ندعو إلى احترامها؟
إن محاربة الفساد تبدأ من الذات، ويجب علينا أن نكون القدوة التي نبحث عنها في العالم الخارجي. لن نتمكن من تحقيق التغيير المنشود في المجتمع ما لم نبدأ بتغيير أنفسنا. فكلما نجحنا في تطهير أنفسنا من الفساد الداخلي، كلما كانت دعوتنا لمكافحة الفساد أكثر قوة وصدقاً، إن تصحيح المسار يبدأ من الذات، فبإصلاحنا الداخلي نكون قد وضعنا الأساس لبناء مجتمع نزيه وصادق. فلتكن خطوتنا الأولى نحو التغيير هي مواجهة فسادنا الداخلي، والعمل على تهذيبه، كي نكون قادرين على مواجهة الفساد الخارجي بجدية وفاعلية.
في النهاية، نحن لسنا مجرد ضحايا للفساد، بل نحن أيضًا صناع التغيير، بيدنا ان نختار الطريق الذي نسلكه، وأن نقرر ما إذا كنا سنكون جزءًا من المشكلة أو جزءًا من الحل، نحن فاسدون من الداخل، لكننا أيضا قادرون على التطهر والنهوض من جديد.