اشتريت لوحة سجن غزة من السنوار عام 1977 عندما أقام معرضه بمساعدة من دائرة الثقافة والفنون في عمان . لا أذكر اسم الفنان الرسام ولولا توقيعه على اللوحة لما عرفت اسم عائلته الذي اصبح يتصدر نشرات الأخبار العربية والعالمية .

حسب نشاط الجنرال يحيى السنوار القائد العسكري لجيش حماس، الذي أشغل وما يزال يشغل العالم بحرب بدأت في السابع من تشرين الأول الماضي ولم تنتهِ حتى الآن . جيش صغير قياساً لجيش عدوّه الذي يقاتله بأحدث وافتك واحدث الأسلحة في العالم ... اقترب عديد شهداء غزة من الأربعين الفاً خلال عشرة اشهر من القتال . ولم يزل طائر الفينيق العربي يحترق ويتجدد من رماده الذي أثار الضمير العالمي في أغلب مدن وعواصم العالم .

استفاقت الأجيال الحديثة على جوع ومرض وموت الغزيين أو الغزازوة كما يلفظها الأردنيون ... أجيال من شباب العالم الذي لم يتلوث رأسه بدعاية شعب الله المختار الذي اصطفاه الرب من بين كل بني البشر وفضّله عليهم . وأباح له قتل جميع الأغيار من غير اليهود واستعبادهم، ثم فوجيء بالرب ذات حين يكتب له على الجدار .. احصى الله ملكك ثم انهاه ...

أجيال جديدة في أوروبا وأسيا وأمريكا أثارتها حرب غزة، كما أثارت الأجيال السابقة وحركتها لتملأ الشوارع في حرب فيتنام .

رسم السنوار لوحته بعد ثمانية أعوام من معركة النكسة كما سماها محمد حسنين هيكل لتخفيف وقع الهزيمة على جمال عبد الناصر أمام جماهير الأمة العربية التي صدمت لهزيمة بطلها حبيب الملايين الذي كادت ان تعبده بعد الله سبحانه وتعالى ... استقرت اللوحة في مدخل منزلي بغريسا منذ سبعة وأربعين عاماً . تغير مكان المنزل وبناءه بحكم طيران الفروخ من العش ليؤسسوا أعشاشا جديدة . وبارك الله ببيت يطلع منه بيت ومع هذا بقيت لوحة السنوار تتصدر الجدار .

ورث الاحتلال الإسرائيلي سجن غزة من المصريين .. لم يضف اليه الا الأحرف العبرية فوق اللافتة، بقيت جدران الطوب والاسلاك الشائكة ومظلة الزينكو على المدخل كما هي قبل النكسة .. بدأ الغزازوة مقاومة الاحتلال مبكرا فازدحم سجن غزة قبل ان يزدحم سجن عوفر وعتليت وعوجا الحفير بالمناضلين .. تخرج من هذه السجون مجموعة من الفلسطينيين الذين استغلوا الحبس لتعلم اللغة العبرية قراءة وكتابة، منهم الجنرال يحيى السنوار الذي اعتاد على مخاطبة السجانين والمحققين بلغتهم ..

حينما يسجن الرجال تهرع النساء للزيارة لتونيس السجين والاطمئنان عليه ... ابرز الفنان السنوار النساء في مقدمة اللوحة، ولم ينسَ كثرة الأطفال في العائلة الواحدة ... ثلاثة على الأرض والرابع على كتف الأم . أبرز الكوفية البيضاء والعقال على رأس الرجل . قبل أن يستبدلها ياسر عرفات بالكوفية العراقية المخططة بالأسود على قماشتها البيضاء . واشتهرت حتى الآن رمزا لفلسطين ظهر في جميع المظاهرات التي تصدرت شوارع العالم حتى الآن .. لم نرَ عرفات بلا كوفيته تلك الاّ عندما زار ليئه رابين يعزيها بمقتل زوجها إسحاق . ويظهر انها اشترطت عليه الزيارة بدونها فعرفنا لأول مرة أن الختيار أصلع ..

حينما بدأت الحرب في السابع من تشرين الأول الماضي وتردد اسم جنرالها يحيى السنوار ، عدت لمطالعة لوحة سجن غزة وكأني أراها للمرة الأولى ... ولم لا ؟؟؟ فما فعله الغزازوة وسنوارهم يحدث لأول مرة .