يوم روحاني في مدينة السلاطين
د. صبري ربيحات
27-07-2024 12:50 AM
لا أذكر اني تجولت في مكان مليء بالشواهد على عظمة امة كما تجولت اليوم..في اسطنبول التي يلتقى فيها الصيف والشتاء والشرق والغرب كما يلتقي فيها البحرين الأبيض المتوسط مع الاسود ويقسم المدينة مضيق البسفور الذي ليس فيه من المضيق الا الاسم فهو اجمل الاماكن للفسح والتجوال والفرح مضيق يضفي على المدينة جمالا يزيد لجمالها.
في تركيا يبهرك التاريخ ويعجبك الحاضر فهي مدينة عصرية ومتحف مفتوح للتاريخ والانجازات افضل من كل المعارض التي يجري تنظيمها من قبل شركات ولا تشعر ان خارج غرف المعارض ما يعكس صدى ما تراه على شاشات العرض....
على ارض هذه الامبراطورية العملاقة التي تأسست قبل اكثر من سبعة قرون على العقيدة الإسلامية مساجد وقباب ومآذن وجسور وعمران وقصص حروب وبطولات وفتوحات لا تنتهي . كما فيها اليوم صناعات ونهضة وتقدم وعناد ومواقف لا يمكن ان يتجاهلها الا من أراد أن يجافي الحقائق.
العقيدة الإسلامية كانت الجامع لصفوفها والموحد لاركانها والرسالة التي حملها الجنود الى الامصار شرقا وغربا اثبتت للعالم مرة أخرى ان الإسلام دين وخلق ونظام حياة اذا ما تبناه قوم بصدق وأمانة والناس عبء على الدين افلحوا اذا ما هجرته او تنازلوا عن مبادءه باسم الدبلوماسية والسلام .
مع حلول الظهيرة توضأت واصطحبت عبود واتجهنا من منطقة شارع الاستقلال نحو منطقة المساجد التاريخية الكبرى التي شكلت اهم معالم المدينة . أنزلنا سائق التاكسي على أطراف المنطقة المعروفة بمنطقة السلطان والتي يتقابل فيها مسجد السلطان محمد الفاتح مع مسجد السلطان احمد وسرنا بخشوع على صوت قراءة القرآن باتجاه المسجدين.
جمال البناء وكثافة الزوار والاعداد الهائلة للمصلين الذين انتضموا بصفوف لدخول باحة المسجد لاداء صلاة الجمعة مشهد يبعث على الامل . على وقع التلاوة القرآنية التي اشغلت فضاء المكان وشحنت قلوبنا بالايمان ونفوسنا بالرضا وأرسلت خيالاتنا في التاريخ لتترحم على أرواح الخلفاء العظام الذين ارسوا وكرسوا وشيدوا المساجد والقصور والسدود والطرقات التي لا نزال نلمحها على امتداد اراضي الخلافة العثمانية بالرغم من مرور اكثر من قرن على انحسارها.
في مسجد ايا صوفيا الذي رفع الأذان فيه بعدما حرر محمد الفاتح المدينة وحول الكنيسة الى مسجد تقام فيه الصلوات تبدو القاعة عظيمة وعملاقة وقادرة على استيعاب الالاف ممن اموا المكان للصلاة وللاستذكار.
النمط العمراني للمسجد المجاور للكنيسة التي توسطت مساجد المدينة لتبقى شاهدا على انجازات السلاطين في بناء احدى اعظم الامبراطوريات التي شهدها التاريخ وسادت العالم نمط فيه من الفن والجلال ما يسلب الألباب.
الالاف من المسلمين من اسيا وتركيا وأوروبا والبلاد العربية وأفريقيا استمعوا الى خطبة جمعة قصيرة باللغات العربية والتركية والإنجليزية قدمها خطيب فصيح هاديء وقور بصوت مؤنس رحيم وادع قريب الى القلب والوجدان...تلاها بإقامة صلاة قرأ فيها آيات تؤكد على موضوع خطبة الجمعة ...
في تركيا التي تأسست في زمن صعب وعاشت في مواجهة الغرب لا يزال الإسلام مظهرا عمرانيا ووجدانيا وتاريخيا وثقافيا في وجودها بمستوى يفوق الكثير ممن يحملون القاب المشيخة والرعاية والخدمة له....
التحدي الذي تواجهه تركيا وبقية بلاد المسلمين هو تقسيمها الى دويلات وزرع بذور الخلاف والنزاع والتفرقة كي لا تقوم لهذه الامة قائمة ويجري اخضاعها والاستيلاء على ثرواتها ومواردها ومستقبلها تحت عناوين الصداقة والحماية والدفاع المشترك.