موت وخراب ديار .. مَن يقرع الجرس؟!
محمود الدباس - ابو الليث
25-07-2024 01:10 PM
في مجتمعنا الأردني.. توارثنا عادات وتقاليد عريقة.. بعضها مستمد من قيمنا الدينية والأخلاقية.. من بين هذه العادات "ولائم العزاء".. والتي بدأت بنية طيبة عندما قال رسولنا الكريم عليه افضل الصلاة "اصنعوا لآلِ جعفر طعاما، فقد أتاهم أمر يشغلهم".
كانت هذه العادة في الأصل تعبيراً عن التكافل الاجتماعي.. حيث يقوم الجيران والأصدقاء بإعداد الطعام لآل المتوفى لعدة أيام.. تعبيراً عن مشاركتهم في الحزن وتخفيفاً عنهم.. لانشغالهم بمصابهم الكبير.
لكن مع مرور الزمن.. انحرفت هذه العادة عن مسارها الصحيح.. فقد أصبحت الولائم تقام بدعوات علنية.. وليس فقط لآل المتوفى.. بل لمن يحضر عندهم أيضاً.. ومع هذا التغير.. تراجع دور الجيران والأصدقاء في صنع الطعام.. وأصبح عبء إقامة الولائم يقع على عاتق أهل المتوفى.. وبدلاً من أن يجدوا في هذه الفترة عزاءً ومواساة.. وجدوا أنفسهم يتحملون أعباءً مالية ومعنوية إضافية.
هذا التحول جعل من العادة الحميدة عبئاً كبيراً.. فبدلاً من أن يتم إراحتهم ومواساتهم.. أصبح أهل المتوفى يقدمون الخدمة للآخرين.. مما يزيد من معاناتهم.. ويثقل كاهلهم بتكاليف مادية كبيرة.. لقد أصبح ينطبق عليهم القول "موت وخراب ديار".. فهم لا يكتفون بفقدان أحبائهم.. بل يواجهون ضغوطاً إضافية لتغطية تكاليف الولائم.. وخدمة المعزين.
ومن هنا.. أدعو إلى إعادة النظر في هذه العادة وتصحيح مسارها.. فينبغي أن نتوقف عن حضور ولائم العزاء حتى لو تمت دعوتنا.. وحتى لو كانت من غير أهل المتوفى.. كي نعود إلى الأصل.. وهو تقديم الطعام لآل المتوفى فقط.. هذا سيسهم في تقليل التكاليف.. ويشجع الآخرين على صنع الطعام لآل المتوفى.. وليس لإقامة الولائم الكبيرة والمكلفة.
مَن يقرع الجرس؟!..
فإنني أحث الوجهاء والأغنياء ليكونوا السباقين في عدم إقامة الولائم عند وفاة أحد بخصهم.. ليكونوا قدوة لغيرهم.. ويساهموا في رفع الحرج عن الفقراء وغير المقتدرين..
فعندما يرى الناس أن الشخص الغني والمقتدر لم يقم مأدبة طعام وهو قادر.. سيشعرون بأنه لا عتب عليهم إذا لم يقيموا هم أيضاً.
بهذا الشكل.. يمكننا أن نعيد هذه العادة إلى أصلها الطيب.. ونخفف العبء عن أهل المتوفى.. ونعيد إحياء روح التكافل والتضامن الاجتماعي في مجتمعنا الأردني.