سيناريو هوليودي لكتاب فرنسي يفترض نزاعا مسلحا بين الجزائر والمغرب
د. آمال جبور
24-07-2024 03:31 PM
تعرض الصحفية في مجلة ليكسبريس الكسندرا سافيانا في كتابها"السيناريوهات السوداء للجيش الفرنسي"احدى عشرة فرضية تتعلق كل واحدة منها بنزاع مسلح، قد تكون فرنسا طرفا فيها في الاعوام القليلة القادم، ويجيب على فرضيات الكتاب قادة من الجيش وخبراء وباحثون ودبلوماسيون وشخصيات سياسية ومتخصصون في مجال الدفاع ما زالوا على راس عملهم، فَضّل عدد منهم عدم ذكر اسمه فيما يتعلق تحديدا بفرضية سيناريو النزاع المسلح بين الجزائر والمغرب المحتمل عام 2025، وبغض النظرعن نتيجة النزاع المحتمل حسب فرضية الكتاب، الا ان الكتاب افضى الى وجهة نظر فرنسية تجاه الجزائر بأنها ذاهبة الى الفوضى.
ويعالج الكتاب في 11 فصلا عدة مواضيع تتضمن اجندة الجيش والاستخبارات والدبلوماسية الفرنسية والتحديات الكبرى التي ستواجه مستقبل فرنسا في العالم والقارة السمراء تحديدا، منطلقا من المعطيات الجيوسياسية لدول لها تاريخها الاستعماري مع فرنسا، وترى الخطوط العريضة للكتاب ان وضع فرنسا في المستقبل سيكون شائكا مع ملفات راهنة، كاقدام روسيا على غزو دول البلطيق، والحصار الصيني لتايوان والحروب الاهلية في كاليدونيا المستعمرة الفرنسية،كما يعرض سيناريوهات عمليات ارهابية متوقعة لجماعات مسلحة على ساحل بعض الدول الافريقية كالسنغال ضد المصالح الفرنسية تُسبب أزمات داخلية لفرنسا ومستعمراتها، ومن موضوعات الكتاب الملفتة السيناريو الهوليودي المثير للجدل والمعنون بـ(الحرب الجزائرية – المغربية) التي ستندلع عام 2025.
والسيناريو الذي يطرحه الكتاب وفرضيته هواحتمال نشوء نزاع مسلح بين المغرب والجزائر، يستند حسب رأي المؤلفة إلى وجهة النظر المشتركة للخبراء الفرنسيين المستجوبين في الكتاب العارفين بطبيعة النظام السياسي في الجزائر وسبق ان خدموا فيها دبلوماسيين وعسكريين، مفضلين عدم ذكر اسمائهم لانهم لا يزالون في مناصبهم، مشيرة ان النزاع المسلح بين الجزائر والمغرب من شأنه ان يورط باريس لافتة إلى موضوع النزاع هذا "قد اثير داخل الدولة بشكل خاص وفي مناسبات عديدة من قبل الاستراتيجيين ولا سيما داخل الجيش".
وسيناريو النزاع المسلح بين الجزائر والمغرب المفترض اندلاعه يوم 17 آب/غسطس 2025 يمتاز بنفحة هوليودية متكاملة التفاصيل في تحديد وقته ونوعية اسلحته وذخيرته، وتحديد عدد الجرحى والقتلى المفترضين، ووصف ليوم اختراق الجيش الجزائري الحدود الثنائية الى منطقة فكيك المغربية ليصطدم الطرفان في مواجهات لا تحسم لاي طرف مؤدية الى انقسام في صفوف الجيش الجزائري، وقيام جناح جزائري بضرب الجنوب الفرنسي اعتقادا منه بدعم باريس للرباط، وتتوقع المؤلفة استعانة فرنسا بروما ومدريد والاتحاد الاوروبي بعد الهجوم، وتتوقع انتهاء سيناريو النزاع المفترض بتفوق الجيش المغربي وصموده في مواجهة الجيش الجزائري.
التفاصيل التي اتى بها الكتاب في فصل الحرب المفترضة الجزائرية المغربية كثيرة ومتشعبة، ونتائج لا تحمد عقباه بالنسبة للجزائر، ونامل ان لا تصل العلاقات بين البلدين الى هذا الحد والدخول في سيناريو الفرنسية سافيانا، ففرنسيتها الاستعمارية بتاريخها الموحش في القارة الافريقية، واهدافها الاستعمارية ما زالت تضرب على وتر الخلافات بين بلدين يمتلكان قوتيين عسكريتتين وازنتين في جنوب المتوسط، وبعيدا عن سيناريو الكتاب، فمن الاهمية ان نقرأ المزاج العام بين الجارتين، وسط تطورات وتوترات اقليمية ودولية تشير الى ان الجزائر تواجه تحديات ازاء ملفات متعددة في المحيطين الدولي والاقليمي، مقابل تقدم ملفت للرباط في ملفات متعددة اهمها "قضية الصحراء المغربية".
وتشهد العلاقات الجزائرية المغربية توترا منذ عقود وما زالت مستمرة بسبب قضية الصحراء المغربية التي تعدها المغرب جزءا من وحدتها الترابية ومعيارا لقياس شراكاتها وعلاقاتها الدولية، وعليها صاغت الدبلوماسية المغربية مواقفها ازاء المحطات المهمة بما يتعلق بسيادتها على الصحراء لذلك شهدت المغرب اخيرا تسارعا في الاعترافات الدولية بالصحراء المغربية لمقترحها في "الحكم الذاتي" لانهاء النزاع المفتعل على الصحراء المغربية وعودة الصحراويين النازحين من تندوف الجزائرية الى صحرائهم المغربية، لكن هذا الحق لا تتفق معه الجزائر بالرغم ما جاء في بند معاهدة الاتحاد المغاربي في تعهد الدول الأعضاء «بعدم السماح بأي نشاط أو تنظيم فوق ترابها يمس بأمن وحرمة تراب أي منها وبنظامها السياسي" الا ان الجزائر تدعم جبهة البوليساريو الانفصالية التي تسعى الاخيرة الى انفصال قبائل الصحراء عن السيادة المغربية في اطول نزاع تشهده القارة الافريقية منذ اكثر من 40.
وتعكس هذه القضية ظلالها السود في الساحة الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية للجارتين، حيث ان الحدود مغلقة بينهما منذ عام 1994نتيجة تصاعد الازمة تلو الاخرى، فالمتابع للشأن المغاربي يلمس دبلوماسية الرباط في حل القضايا الخلافية عبر القنوات الدبلوماسية والمنتظم الدولي مقابل اجهاز الجزائر على مكتسباتها مع محيط تزداد توتراته ومفاعيله، فعلاقتها مع الاتحاد الاوروبي في تراجع، ونتائج الانتخابات الاوروبية ستفرض عليها واقعا سياسيا معقدا، الى جانب عدم استثمارها منذ عام من توتر العلاقات المغربية الفرنسية قبل انعطاف فرنسا نحو الرباط وتقديمها تنازلات للمغرب بخصوص الصحراء المغربية، واقتراب روسيا والصين من دول الساحل متجاوزة الجزائر، كما جاءت خطوة دول الساحل جنوب الصحراء(النيجر،مالي،بوركينا فاسو)خلال تموز2024 في تأسيس" كونفدرالية دول الساحل" بداية لعزل الجزائر والاقتراب اكثر من المبادرة الاطلسية المغربية، مع اخفاقها في نيسان/ابريل2024 بتشكيل اتحاد مغاربي من دون المغرب نتيجة تردد ليبي وتونسي، في قمة قرطاجة التي جمعت(الجزائر، تونس ، ليبيا ) أعلنت فيه الجزائر ميلاد"حلف دول شمال افريقيا" بديلا للاتحاد المغاربي، مما استدعى الدبلوماسية الليبية بعد ذلك للبقاء على مسافة واحدة من الجزائر والمغرب، بارسال مبعوثين للمغرب وموريتانيا المغيبتين عن القمة، فردت موريتانيا بتاكيدها العلاقات الاخوية، فيما اكتفت المغرب بعدم التعليق عليه رسميا.
ويبدو ان قضية الصحراء المغربية العالقة منذ عقود ووصلت لدرجة القطيعة الدبلوماسية بين الجارتين بقرار اتخذته الجزائر من طرف واحد في 24 آب 2021، اصبحت حاجزا عند الجزائر لافق ايجابي نحو المغرب وأيضا نحو الاقليم، ويمكن لاي متابع التوقف عند اقرار مرسوم رئاسي جزائري قبل ايام لعسكرة كافة مؤسسات الدولة في خطوة تشهدها البلاد عشية انتخابات رئاسية، استدعت تسوية بين هرم السلطة والمؤسسة العسكرية التي ترى الاخيرة أن ضمان مواجهة التحديات المحيطة يستلزم ان تتكلف هي بإدارة مؤسسات الدولة الاستراتيجية لتضمن قدرتها على الاستجابة للتحديات الداخلية والتحولات الاقليمية والدولية، فهل ستشهد الجزائر مع ترتيب مربع الحكم افقا ايجابية مع محيطها الاقليمي، وتقترب من الرباط التي تجمعهما الروابط الاجتماعية والتاريخية والثقافية، وتدرك ان الجارة المغربية ممكن ان تكون مفتاح حل ازماتها الداخلية والخارجية في محيط تزداد توتراته ومفاعيله وتقل فيه هوامش المناورة؟